لعلّها من المرات القليلة التي يحدث فيها اجماع حول أمر ما. فغالبا ما كان التونسيون ينقسمون حول أي مسألة مطروحة للنقاش العام أو أي قرار يتخذ بشأن مسألة عامة . أما وقد أجمع الكل على وجاهة فحوى بلاغ وزارة العدل بشأن المضامين والمحتويات المطروحة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي والتي تضم اخلالات بالجملة فهو بالتأكيد مهم وجاء في وقته.
ومعلوم أن بعض المنصات التي تقترح مضامين ترفيهية بالأساس قد أصبحت بمثابة معاول هدم لقيم المجتمع ومعاييره. فقد فتحت بابا لكل من هبّ ودبّ ليقترح ما يسمونه «محتوى» وليصبح الجميع «صنّاع محتوى» يوجهون الرأي العام ويؤثرون على ذائقة الناس لاسيما المراهقين والشباب وحتى الاطفال.
ولأن دور الدولة دائما هوإعادة الأمور الى نصابها فقد جاء تدخلها في هذا الأمر لتصويب ما يجب تصويبه. فقد أذنت السيدة ليلى جفال وزيرة العدل للنيابة العمومية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتصدي لبعض الممارسات التي انتشرت في الآونة الأخيرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاء هذا في بلاغ صادر عن وزارة العدل أكدت فيه أنه على إثر انتشار ظاهرة تعمّد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة «تيك توك» و«انستغرام» لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة او استعمال عبارات او الظهور بوضعيات مخلّة بالأخلاق الحميدة او منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلبا على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الإلكترونية المذكورة، أذنت السيدة وزيرة العدل للنيابة العمومية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتصدي لهذه الممارسات، وفتح أبحاث جزائية ضد كل من يتعمّد إنتاج، أو عرض أو نشر بيانات معلوماتية أو بث صور أو مقاطع فيديوتحتوي على مضامين تمس من القيم الأخلاقية.
والحقيقة ان التحولات العميقة في المجتمع التونسي خاصة في ما يتعلق بعلاقة الأفراد بمواقع التواصل الاجتماعي و التعلق بها حد «الإدمان» مسألة بالغة الخطورة وهناك الآن عديد الباحثين في مجال علم النفس وعلم الاجتماع ينكبّون على دراسة هذه الظاهرة واشتباكها مع ظواهر أخرى من قبيل الاغتراب الاسري وأيضا تفشي ظاهرة العنف بكل انماطه بداية بالعنف الرمزي وصولا الى المادي واللفظي.
وقد لوحظ ان العديد من الذين يقدمون محتويات على مواقع التواصل الاجتماعي يستغلون هامش الحرية الذين يتمتعون به وغياب الملاحقةالقانونية ليتولوا بث مضامين مسيئة جدا تحتوي على تجاوزات أخلاقية ومساس بالقيم الى جانب التنمر والتحريض على العنف والكراهية كلها تقدم في اطار ما يمكن ان نسمّيه «تجميل القبيح» ويتم صبّ كل هذه المحتويات في قالب تجاري بحت اذ تعمد بعض الشركات المنتجة لماركات مهمة في مجال التجميل والملابس بل ووكالات الاسفار وشركات الطيران كذلك وبعض الفنادق الى تبنّي هؤلاء الذين يصنعون المحتويات المسيئة بهدف الاستشهار وتوظيفهم. وهنا يدخل هؤلاء مرحلة «التشيؤ» لتصبح أجسادهم أشياء حاملة لعلامات تجارية أما ما يقدمونه فهو يؤكد طابع الاستفزاز والإيحاءات فقط من أجل جلب أكبر عدد من المتابعين وخاصة من الشباب والمراهقين الذين يميلون بطبعهم وبحكم سنّهم الى كل ما هوغير تقليدي وغير مألوف.
ومن المؤسف القول إن هناك بعض الفتيات اللواتي يعرضن مضامين على انستغرام وتيك توك أصبحن يشكلن إساءة الى تونس والتونسيين جميعا بل ما يقدمنه هو بمثابة الوصم الحقيقي نظرا لضحالة المحتويات المقدمة واحتوائها على كل ما يتنافى مع المعايير والقيم الأخلاقية والضوابط القانونية والنواميس الاجتماعية.
ولأن الأمر قد تجاوز كل الحدود فقد جاء بلاغ وزارة العدل الذين ينذر كل المتجاوزين بالملاحقة القانونية ليضع حدّا لحالة الإفلات من العقاب والتجاوزات المسيئة حتى يتحمل كل مسؤوليته، وربما لهذا جاء التفاعل إيجابيا مع مضمون هذا البلاغ.
تجميل معالم العاصمة أولوية قصوى أيضا: نحو استعادة الصورة الحضارية المشرقة لتونس
لأن المدن تشبه أصحابها ولأن معالمها تصبح بفعل الزمن جزءا لا يتجزأ من الشخصية النفسية لسكان…