2024-10-29

بكل هدوء : حتى يحقق القرار أهدافه المعلنة..

 أثار القرار الأخير لوزارة العدل بتتبع البعض ممن ينشرون محتوى مخلا بالأخلاق على صفحات التواصل الاجتماعي، جدلا مجتمعيا خاصة على صفحات الفايسبوك. البعض يراه إجراء صحيحا كان لا بد من اتخاذه للحد من خطورة هذه الصفحات وتأثيراتها السلبية على الناشئة خاصة والمجتمع ككل، والبعض الاخر يعتبرها مدخلا للحد من حرية التعبير وتشديد المراقبة على الحريات الشخصية مرتكزين على مقولة ان اول مدخل لضرب الحريات يكون من باب الاخلاق. لبّ الموضوع هو ان وسائل التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، فيسبوك، وإنستغرام جعلت من التفاعل البشري مع الفضاء الافتراضي والسماء المفتوحة أكثر سهولة وسرعة، ما يتيح للمستخدمين نشر المحتويات وجذب المتابعين بأشكال جديدة وجذابة. لكن البعض استغل هذا الفضاء بشكل سلبي، فنشروا محتويات تثير الجدل، خاصة تلك التي تتنافى مع المعايير الأخلاقية أو تخالف قيم المجتمع، لجذب المتابعين وزيادة العوائد المالية عبر زيادة المشاهدات. وقد أثبتت دراسات أن هذه المنصات تؤثر في النشء بشكل مباشر، حيث تساهم في تعزيز بعض السلوكيات والمفاهيم التي لا تتماشى مع القيم التقليدية، بل وتجعلها عادية ومألوفة.

على سبيل المثال، يتعرض المراهقون لمحتويات تتضمن قيمًا وأسلوب حياة مختلفًا عن ثقافتهم، مما يعزز احتمالية تأثرهم بتلك القيم بشكل سلبي. ومع تزايد الانتقادات لهذه الظواهر، تصاعدت دعوات إلى فرض رقابة صارمة على منصات التواصل الاجتماعي؛ بغية الحد من المحتوى الضار.

وتعدّ الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من الأدوات البارزة التي أثرت على المجتمعات في العقدين الأخيرين، حيث فتحت آفاقًا جديدة للتعبير والتواصل، لكنها أيضًا واجهت تحديات خطيرة تتعلق بتأثيراتها على القيم والأخلاق، وخاصة في صفوف النشء. وانتشرت مؤخرًا المحتويات التي يُنظر إليها على أنها مخلّة أو خارجة عن الأطر المجتمعية الأخلاقية، ما جعل العديد من الدول تتخذ إجراءات صارمة لضبط هذا النوع من المحتوى، في محاولة لموازنة حرية التعبير مع حماية قيم المجتمع.

ونظرًا لتزايد التأثير السلبي لبعض المحتويات، عمدت بعض الدول إلى اتخاذ خطوات قانونية وتنظيمية للحد من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القيم العامة. وقد شملت هذه الخطوات فرض قيود على المحتويات، وتقنين آلية النشر، وفرض عقوبات على المحتويات المسيئة، وصولاً إلى حظر بعض المنصات بشكل كلي في حالات معينة. ومن الأمثلة على ذلك، حظر بعض الدول تيك توك أو فرض قيود عليه لما فيه من محتوى يعتبر مخلًا بالآداب العامة أو خطرًا على المستخدمين الشباب.

إلا أن هذه التدابير لا تخلو من التحديات؛ إذ يرى البعض أن فرض الرقابة يمكن أن يعيق حرية التعبير، ويحدّ من الحريات الشخصية التي تكفلها العديد من الدساتير والمواثيق الدولية. لذا، تعتمد بعض الدول نهجًا أكثر مرونة يتضمن تشريعات تفرض على المنصات وضع أنظمة تقييد عمرية أو آليات للحد من الانتشار الواسع للمحتوى غير الملائم.

تثير هذه القضية نقاشًا حساسًا بين مساندي الحريات من جهة والمدافعين عن القيم المجتمعية من جهة أخرى. يرى الحقوقيون أن فرض الرقابة بشكل مفرط يهدد حقوق الأفراد في التعبير الحر، وأنه قد يكون مدخلًا للتضييق على المعارضين أو مختلفي الآراء تحت ذريعة حماية المجتمع. فالحرية حق أساسي يجب الحفاظ عليه، ويخشى البعض من أن تساهم هذه القيود في بناء مناخ يقوض حرية التعبير، لا سيما وأن مفهوم “المحتوى غير الأخلاقي” فضفاض ويمكن استغلاله لأهداف سياسية.

من ناحية أخرى، يتفهم المدافعون عن حماية المجتمع ضرورة وضع قيود معقولة تهدف إلى حماية النشء من المحتويات التي قد تشكل خطرًا على نموهم وتوازنهم النفسي. ويعتبرون أن المجتمع له الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أفراده من الأضرار المحتملة التي قد تسببها بعض المحتويات غير الأخلاقية أو الخطرة.

من خلال هذا السياق، تبرز أهمية التوازن بين حماية القيم الاجتماعية وحرية التعبير. يمكن أن تكون الحلول الأكثر فاعلية هي تلك التي توازن بين فرض رقابة معتدلة وترك مساحة للتعبير الحر. فمن الممكن وضع آليات للتحقق من المحتوى وتقييده، مع احترام حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم. كما أن التعاون بين المنصات الرقمية والحكومات يمكن أن يسهم في الحد من نشر المحتويات الضارة دون الإضرار بحرية التعبير بشكل كلي.

هذا ما قامت به العديد من الدول بما فيها الدول الليبيرالية والأكثر انفتاحا وتحررا. لكن ما قامت به كان بعد نقاش مجتمعي ووضع ضمانات قانونية وسياسية حتى لا تحيد القرارات عن أهدافها المعلنة وتكون قرارات مسقطة تحدث جدلا اجتماعيا وتطرح اكثر من سؤال عن غاياتها الخفية.

خلاصة القول انه بات واضحا أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أحدثت تغييرًا جوهريًا في مفهوم الإعلام والتعبير عن الرأي. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا الحق الأساسي يجب ألا يتعارض مع حماية القيم الاجتماعية، وخاصة ما يتعلق بالنشء. وفي حين أن فرض الرقابة الصارمة يمكن أن يكون سلاحًا ذو حدين، فإن وضع ضوابط واضحة وشفافة لتنظيم المحتوى يمكن أن يحقق التوازن المنشود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

للقطع مع ممارسات الماضي ومؤسساته : تونس ورؤية الهدم وإعادة البناء

تواجه تونس اليوم خياراً استراتيجياً في مسارها التنموي يتمثل في كيفية إعادة بناء الدولة وتح…