بين «اجتماعات الخريف» و«قمة البريكس» : تونس ليست مجبرة على الاختيار بقدر ما هي في حاجة إلى تنويع شركائها الاقتصاديين
أسدل الستار أمس السبت على فعاليات «الاجتماعات السنوية» لمجموعة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي نظمت بالتوازي مع انطلاق قمة «البريكس 2024» في روسيا. ولئن غابت مشاركة تونس الكلية في فعاليات «قمة البريكس» فقد أرسلت وفدا رفيع المستوى لتمثيلها في فعاليات «اجتماعات الخريف» يضم كل وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ ومحافظ البنك المركزي التونسي فتحي النوري وثلة من إطارات الدولة بحثا عن فرص شراكات تعاون جديدة لاسيما المالية منها خاصة في ظل حضور أغلب ممثلي المؤسسات المانحة العالمية. وفي ظل تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي لم تسع تونس الى محاولة إعادتها وفق ما أكده مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صندوق النقد الدولي جهاد ازعور الذي صرح “أنه لا توجد أي مفاوضات للصندوق مع تونس بخصوص تمويل جديد»، عمد وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ الى البحث عن سبل أخرى للبحث عن تمويلات جديدة لميزانية الدولة حيث التقى عددا من ممثلي مؤسسات دولية مانحة وأخرى عاملة في مجال التعاون الثنائي ومتعددة الأطراف على غرار نائب رئيس البنك العالمي للشرق الأوسط وشمال افريقيا، عثمان ديون، نائب الرئيس الأول للوكالة اليابانية للتعاون الدولي هارا شيهي ورئيسة مركز الأعمال الإفريقي الأمريكي كندرا غايثر.
وخلال سلسلة هذه اللقاءات عمد وزير الاقتصاد والتخطيط إلى تسليط الضوء على تحسن الأوضاع في تونس (السياسية والاجتماعية والاقتصادية) واستقرارها مبرزا أهمية الإصلاحات التي تعمل عليها الحكومة التونسية لمزيد تحسين مناخ الأعمال والاستثمار. كما تطرق الى عزم تونس مواصلة العمل للرفع من نسق النمو في إطار من التكامل والشراكة البناءة مع القطاع الخاص.
من جهته أشاد محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري بصلابة الاقتصاد الوطني ونجاح تونس في المحافظة على توازناتها الخارجية واستقرار سعر صرف الدينار التونسي وتراجع التضخم. وأكد بهذه المناسبة «قدرة تونس على الوفاء بالتزاماته الداخلية والخارجية، رغم التحديات، التّي تواجهها، وذلك بفضل الإجراءات، التّي اتخذتها الحكومة والسياسة الصارمة، التّي ينتهجها البنك المركزي في تسيير السياسة النقدية» .
ولم تقتصر مشاركة محافظ البنك المركزي على الإشادة بتحسن الأوضاع الاقتصادية والتذكير بمزايا تونس المشجعة على دعمها اقتصاديا بل وجه رسالة الى إدارة صندوق النقد الدولي يدعوها فيها الى ضرورة مراجعة مقارباته وتكييف آليات تدخلاته وفق السياق المحدد لكل دولة من هذه الدول الأعضاء. هذا وشدد النوري وفق ما جاء في بيان صادر عن البنك المركزي، على أهمية «التقييم الذاتي المستمر لصندوق النقد الدولي» من أجل «استعادة ثقة الدول الأعضاء فيه واستخلاص الدروس من تجارب الماضي، مذكرا بالآثار السلبية لبعض الإجراءات التقشفية المفروضة، والتّي أدّت في كثير من الأحيان إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي في عديد الدول وإطلاق شرارة التوترات الاجتماعية».
ومع انتهاء عقد هذه الاجتماعات المذكورة عمد ثلة من الخبراء الى تقييم مشاركة تونس وجدواها وكثرت الآراء حولها بين شق مؤيد لحضور تونس في هذه الفعاليات المنظمة من صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المانحة وشق أخر يدعو الى ضرورة البحث عن بديل لخلق شراكات تعاون جديدة قادرة على دعم الاقتصاد الوطني ومده بتمويلات مالية بعيدة عن الاملاءات الخارجية.
وخلافا لما يراه الشق الموالي لمشاركة تونس في «اجتماعات الخريف» والذي اعتبر حضور تونس خطوة جدية لتعزيز العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف وجذب كبار المستثمرين وتوقيع بعض الاتفاقيات على غرار «توقيع اتفاق ضمان قرض بـ15 مليون دولار»، يؤكد الشق المخالف ان حصيلة اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين «ضعيفة» ولا ترتقي الى حجم المؤسسات المشاركة وثقلها عكس ما حققته قمة «بريكس 2024» التي نظمت بروسيا بمشاركة 36 دولة، بينها 22 على أعلى مستوى وقيادات 6 منظمات دولية لمناقشة سبل حل الأزمات الاقتصادية في ظل تأزم الوضع في الشرق الأوسط وكيفية ضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة وسعيها الدائم الى تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المجموعة بما يحميها من التحديات الاقتصادية العالمية وخاصة تلك المتعلقة بسعر صرف الدولار وهيمنته على المعاملات المالية.
ويعلل الخبراء الموالون لفكرة البحث عن شركاء جدد لتونس وعلى رأسهم مجموعة «البريكس» بنجاح فعاليات القمة الأخيرة التي طالبت بالتخلص من الدولار في المعاملات البينية بين الدول الأعضاء باعتبار ان هذه العملة «ليست فقط مجرد وسيلة للتبادل التجاري، بل وسيلة هيمنة أمريكية». الأمر الذي جعل من هذه المجموعة الاقتصادية الجديدة تعتزم مستقبلا إطلاق عملة جديدة وموحدة أطلق عليها عملة «بريكس».
هذا التطور من شانه ان يخدم مصلحة تونس إذا قررت الانضمام الى هذه الكتلة الاقتصادية الواعدة ويسهل عليها الحصول على تمويلات مالية «غير مشروطة» كما تفعل الدول أو المؤسسات المنظوية تحت جناح صندوق النقد الدولي وبقية المؤسسات المانحة التي رفضت منح تونس قروضا متفقا عليها من قبل بتعلة عدم تطبيق الإصلاحات المطلوبة.
ورغم اختلاف توجهات الشقين، فان الهدف المرجو واحد والمصلحة هي ذاتها ومتعلقة بالأساس بمصلحة تونس الاقتصادية والمتمثلة في دعم النمو الاقتصادي والحصول على تمويلات مالية لخزينة الدولة.
ومن هذا المنطلق، فان تونس ليست مجبرة على الاختيار بينهما بقدر ما هي بحاجة الى تنويع شركائها الخارجيين فسواء اختارت توطيد علاقاتها مع هذه التكتلات الاقتصادية أو تلك فإن المرجو ضمان حسن تواجدها على الساحة العالمية وبناء شراكات ناجحة تخدم الاقتصاد الوطني وتحسن مردوديته.
بحلول سنة 2030 : الاقتصاد الأخضر سيوفر حوالي 12 الف موطن شغل
«تؤثر التغيرات المناخية على الاقتصاد التونسي بنسبة 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وتعد ال…