انطلق الرئيس قيس سعيد ـ فعليا ـ في ترجمة شعار المرحلة الذي كان أعلن عنه في بيان انتخابه للعهدة الرئاسية الثانية… مرحلة اختار لها شعار «البناء والتشييد» كعنوان لارادة حقيقية منذورة للانتقال من «عبور الى عبور» ـ كما جاء في توصيف للرئيس خلال حديثه عن ملفات المرحلة وأولوياتها ـ «العبور» بما يعنيه من انتقال مكثف وسريع الى مرحلة جديدة قوامها «ثورة ثقافية» حقيقية لا بالمعنى الضيّق وإنما بالمعنى العميق «لثورة ثقافية» تعيد الاعتبار لكل القيم المواطنية التي تم افراغها من محتواها وتعيد لفكرة الانتماء «ثقلها الرمزي» وتذكّر بان الانتساب «للدولة» من باب المسؤولية ليس انتسابا فخريا وإنما هو انتساب كفاءة وجدارة وعبقرية وهو ما أشار إليه الرئيس أكثر من مرّة بتأكيده على ضرورة أن يتحمّل كل مسؤول في الدولة مسؤوليته بنجاعة وبكفاءة وأن يغادر ما لم يكن مؤهلا للقيام بما هو منذور اليه من مهام…
وقد انطلق الرئيس قيس سعيد ـ كما أشرنا ـ في ترجمة شعار المرحلة «البناء والتشييد» من خلال نسق العمل المتواتر والسريع الذي انتهجه مع الحكومة أو من خلال زياراته غير المعلنة إلى عدد من المؤسسات العمومية وقد كان نسق العمل سريعا خلال هذا الأسبوع الذي تم خلاله الاعلان عن مشاريع كبرى اضافة الى مراسيم لتنظيم قطاعات تم تهميشها لسنوات ونشير ـ هنا ـ الى المرسوم الرئاسي الذي صدر الاربعاء الماضي والمتعلق بحماية اجتماعية للعاملات الفلاحات بما ينهي مآسيهن مع التشغيل الهش كما أصدر تعليماته لاطلاق المشاريع الكبرى المعطلة خلال المجلس الوزاري الأخير من ذلك مشروع أمر يتعلق باحداث مؤسسة مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان وفي نفس الأسبوع وخلال استقباله وزير الفلاحة ووزير أملاك الدولة أذن الرئيس باعداد نص جديد يمنح الاولوية للشباب من أجل بعث شركات أهلية وباستغلال الأراضي الدولية وهي أراضٍ مهملة أو هي مُستَحْوذُُ عليها بغير حق وبالتالي فإن الأولوية للشباب من أجل استغلال هذه المساحات الشاسعة للأراضي الدولية وتقدر بـ 230 ألف هكتار وهي «ثروة حقيقية» لكنها متروكة ومهدورة…
وفي نفس هذا الاسبوع دائما توجه الرئيس الى «المسبح البلدي» بالبلفيدير في يوم تدشينه بعدما تمت اعادة تهيئته وفي توقيت قياسي من طرف «الهندسة العسكرية» التي أكدت ـ في الواقع ـ نجاعتها وقدرة كفاءاتها العسكرية على «البناء والتشييد» الحقيقي حيث كانت النتيجة «تحفة معمارية» حديثة لم تتخل عن خصوصياتها القديمة مع اضافات فريدة تدل على قوّة «العقل الابتكاري» الذي يميّز أبناء المؤسسة العسكرية وقد تحوّل هذا الانجاز الى أنموذج ستتم معاودته في عدد من الأماكن والمواقع التونسية المتروكة من ذلك ساحة برشلونة والمنجي بالي بالعاصمة وهي «الأماكن» التي يمكن اعتبارها من أكبر التشوهات على واجهة العاصمة التونسية وقد تحوّلت في السنوات الأخيرة وخاصة ساحة برشلونة الى «بؤرة مهجورة» ومتروكة ـ ليلا ـ لكل أشكال الجريمة والانحراف وقد فاجأ الرئيس قيس سعيد سكان العاصمة بزيارته الليلية غير المعلنة لساحة برشلونة والمنجي بالي وأذن بتحويلها الى «حدائق حقيقية» واعادة ترميم كل ما تداعى من حولها على غرار ما تم انجازه في ساحة باستور… ولم يغفل الرئيس قبل ذلك عن الاشغال الجارية بقصر الثقافة الاعرق بالبلاد التونسية ونعني دار الثقافة ابن خلدون وقد اكتشف ان الاشغال الجارية هي مجرّد ترميمات وترقيعات لِمَا تداعى في الظاهر ما اعتبره الرئيس غير مقبول ودعا الى تجاوزه فورا… وعلى طريقه في اتجاه وزارة الداخلية كانت «التشوهات» مخجلة في الواقع بل مقرفة ـ كما نقلتها الصورة ـ وكما أشار اليها الرئيس ـ أيضا ـ الذي وجه ادانته المباشرة الى المسؤولين الجهويين المعنيين بسلامة العاصمة ونظافتها أي ولاية تونس وبلديتها وقد نقلت الصورة مظاهر التقصير في تحمّل المسؤوليات ما أشار اليه الرئيس بحدّة وبوضوح بقوله «على كل مسؤول غير قادر أو غير مؤهل للقيام بمهامه أن يغادر موقع المسؤولية…».
ما نأمله ـ حقيقة ـ هو ان يتحرك المسؤولون في الجهات وخاصة الولاة في احتذاء بقرارات رئيس الجمهورية وفي احتذاء ـ أيضا ـ بما انجزته المؤسسة العسكرية في مسبح البلفيدير وفي ساحة باستور وان يحوّلوا المساحات المتروكة في المدن التونسية الى حدائق والى مساحات تنفس يمكن ان تبدّل من مزاجات التونسيين وان تخفض من درجات التوتر لديهم… فالمدن ليست مجرّد أماكن وبنايات وليست حجرا واسفلتا باردا وإنما هي الواجهة التي تعكس ثقافة البلد وتاريخه وشخصية مواطنيه فالمدينة بهذا المعنى ليست مجرّد مكان بل هي فضاء اجتماعي مشترك قد يمنحنا الاحساس بالسعادة ما لم يكن شكله منفرّا وبائسا وخربا.
فالمدن مزاجات ـ كما يقول الراسخون ـ فلتكن المدن التونسية صورة مُثلى تعكس ـ بحق ـ مزاج أهل تونس وطبيعة التاريخ وفرادة الجغرافيا…
مضى هذا الأسبوع سريعا ومكثّفا وحمل مقدّمات وعناوين لمرحلة بناء جديد..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…