تونس في حاجة إلى إصلاحات عميقة : إعادة صياغة قواعد اللعبة الإقتصادية وكبح جماح اللوبيات
بات أمر تحوير القوانين المعطّلة للاستثمار الفلاحي والتصدير والتوريد في تونس يثير اهتمامًا كبيرًا، خاصة في ظلّ غياب ما يسمى بتأثير اللوبيات الاقتصادية المرتبطة بالمصالح السياسية داخل البرلمان. وأصبح المجال مفتوحًا أمام الرئيس قيس سعيد لتنفيذ إصلاحات قانونية دون تعطيلات من بارونات المال والاقتصاد الريعي وهوما يمكن أن يكون له تأثير عميق على الاقتصاد ودفع الاستثمار بشكل عام في تونس .
منذ تعليق عمل البرلمان السابق وإطلاق التدابير الاستثنائية،وإلى ما بعد ذلك في انتخاب أعضاء البرلمان، أصبح الرئيس قيس سعيد يمتلك زمام المبادرة التشريعية والتنفيذية في الوقت نفسه. وقد أعلن مرارًا عن رغبته في إصلاحات جذرية تهدف إلى مكافحة الفساد وتحسين مناخ الأعمال، لكن تأثير هذا التوجه على القطاع الفلاحي ومكونات الاقتصاد الوطني مازال يواجه عدة تحديات بسبب عشرات القوانين المكبلة لهذه العملية وهي قوانين أغلبها تم وضعها في فترات حكم تشابهت وتشابكت فيها المصالح السياسية بالاقتصادية لرجال الأعمال والسياسة.
الاستثمار الفلاحي في تونس
يُعتبر القطاع الفلاحي في تونس من أهم القطاعات الاقتصادية، حيث يشغل نسبة كبيرة من اليد العاملة ويمثّل جزءًا معتبرًا من الناتج المحلي الإجمالي. لكن، هذا القطاع يعاني من عوائق قانونية وإدارية تمنع تحفيز الاستثمارات فيه، أهمها تعقيد الإجراءات البيروقراطية، تضارب النصوص القانونية ووجود قوانين تعود الى عقود مضت دون مراجعة تتماشى مع الواقع الحالي ، علاوة على تجذر منطق التراخيص في هذا القطاع الذي يحمل في ثناياه عديد مظاهر الفساد والمحسوبية وغيرها وهي عوائق حالت دون تنفيذ طموحات الشباب اليوم في بعث المشاريع واستغلال الفرص الاقتصادية المتاحة .
التصدير والتوريد
قوانين التصدير والتوريد تشكّل أيضًا حجر عثرة أمام تطوير الاقتصاد التونسي. فهناك العديد من النصوص المعطلة لتدفق السلع والخدمات بين تونس والخارج، أبرزها القيود على العملة الصعبة والتراخيص المسبقة لبعض المنتجات والسلع على غرار توريد المكننة في القطاعين الصناعي والفلاحي والتي تخضع لشروط ديوانية وجبائية مجحفة تم ترسيخها منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وكانت خاضعة لأهواء « العائلة المالكة» وتفرعاتها التي سيطرت على عديد القطاعات . إذ أن تحسين هذه التشريعات من شأنه أن يسهل عمليات التبادل التجاري ويعزز مكانة تونس في السوق العالمية، خاصة في المنتجات الفلاحية .
إصلاح القوانين في ظل غياب البرلمان
نحن نعلم اليوم أن البرلمان الحالي تغيب عن مكوناته عناصر ممثلة للاقتصاد الريعي ولوبيات الاحتكار في التوريد والتصدير وغيرها كما أن أغلب عناصر البرلمان هم من مساندي الرئيس وبالتالي يرى كثيرون أن هذه المحطة التاريخية هي فرصة نادرة لتحوير هذه القوانين دون تدخل من اللوبيات التي كانت تستفيد من الوضع الراهن للحفاظ على امتيازاتها. ويمكن للرئيس، باستخدام المراسيم والقوانين الرئاسية والتشريعية ، أن يقوم بعدة إجراءات، منها تقليل تعقيد التراخيص والفحوصات الإدارية المتعلقة بالاستثمار الفلاحي وإلغاء أو تبسيط التشريعات التي تعيق الصادرات والواردات، بما في ذلك تخفيف القيود المفروضة على تحويل العملة الصعبة ووضع إطار قانوني يسمح للبنوك بتسهيل عمليات تمويل المشاريع الفلاحية الصغيرة والمتوسطة، وتقديم تسهيلات للقروض الفلاحية دون ضمانات تعجيزية علاوة على مراجعة القوانين والشتريعات الديوانية التي تمثل اليوم أكبر عائق للاستثمار بالرغم من الموارد المالية التي تدرها هذه التشريعات على ميزانية الدولة.
إن العمل على التحويرات المذكورة سيؤي بالتأكيد إلى زيادة في الاستثمار الأجنبي والمحلي ،إذا تم تبسيط الإجراءات القانونية والإدارية ومن شأنها أن تسهم في تحسين تنافسية المنتجات التونسية في الأسواق الخارجية بفضل تسهيل عمليات التصدير ، وذلك بعد تقليص نفوذ اللوبيات المحتكرة لعديد القطاعات والتي كانت تستفيد من تعقيدات القانون لتعطيل المنافسة وتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب باقي الفئات الأخرى وتحت حماية النواب والأحزاب .
اليوم وبالرغم من الفرص الكبيرة، يظل التحدي الأكبر تحقيق هذه الإصلاحات دون مواجهة معارضة من أطراف قد تكون متضررة، مثل بعض رجال الأعمال المتنفذين وبالتالي تحرير الاقتصاد الوطني من قبضة محتكري عمليات التوريد والتصدير وهناك أرضية ملائمة اليوم للقيام بإصلاحات قانونية جوهرية في مجال الاستثمار الفلاحي والتصدير والتوريد.
نجاح هذه التحويرات يتطلب رؤية شاملة وإرادة سياسية قوية لتجاوز العقبات البيروقراطية والمصالح الفئوية التي تشكلت صلب مفاصل الدولة منذ تسعينات القرن الماضي وتواصلت تحت يافطة القوانين والتشريعات المكبلة للاستثمار.
مشروع الانتقال الطاقي بالمؤسسات العمومية : توجّه لاستدامة الموارد الطاقية وتخفيف الأعباء المالية
تواصل بلادنا تنفيذ مشروع «الانتقال الطاقي في المؤسسات العمومية» الذي سيشمل 22 وزارة، وتهدف…