بادرت رئيسة مجلس وزراء إيطاليا السيدة جورجيا ميلوني الى تهنئة رئيس الجمهورية قيس سعيّد فور أدائه رسميا اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية. وهذا يتسق تماما مع العلاقة العميقة بين البلدين اللذين تجمعهما شراكة اقتصادية مهمة وكذلك علاقات تاريخية ضاربة في القدم الى جانب القرب الجغرافي.
وبعيدا عن هذا الإجراء البروتوكولي فإن ما يعنينا حقا هو أهمية العلاقات مع شريكنا الأول في الاتحاد الأوروبي باعتبار ان إيطاليا تقدمت على فرنسا منذ 2022 التي كانت الشريك الأول لبلادنا. وهنا من المهم ان تستوقفنا المكالمة التي تلقاها رئيس الجمهورية من قبل السيدة جورجيا ميلوني ونتمعن في فحواها التي تضمنت حيزا للحديث عن الهجرة السرية وبالتحديد تم التطرق الى ضرورة إيجاد حل سريع لها في إطار مسار تونس روما.
هنا لقائل ان يقول أو بالأحرى لسائل أن يسأل :
هل باتت العلاقة التونسية الايطالية تدور في فلك الهجرة غير النظامية؟ وهل خطورة هذه الظاهرة تحتم علينا ان نجعلها أولوية قصوى في التخاطب مع الطرف الإيطالي حتى لو تعلق الأمر بمجرد التهنئة ؟ وما هي إمكانات المساعدة الإيطالية لبلادنا من اجل إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة ؟ وهل يمتلك الايطاليون القدرة على التأثير في القرار الأوروبي بشأن تقديم العون لتونس لحلحلة هذا الملف ؟
لنقل بدءا أن تونس وإيطاليا تجمعهما وشائج قربى كبيرة جدا امتدت في حوض البحر الأبيض المتوسط الذي شكل أول «عولمة في التاريخ القديم» وكانت قرطاج وروما أبرز صنّاع هذه الحضارة بطرائق وأشكال مختلفة وعبر صراعات دوّنها المؤرخون. ولسنا في حاجة قطعا الى الخوض في تفاصيل الوقائع التاريخية للتدليل على متانة هذه العلاقات.
فنحن معنيون أكثر باعتمالات اللحظة الراهنة وهنا يبدو أن البلدين تحدوهما إرادة موحدة وعزم مشترك على بناء جسور تعاون متين بينهما وعلى تطوير العلاقات البينية نحو مزيد من التقارب وتحقيق فائدة متبادلة.
ولا أحد هنا يستطيع أن ينكر أو يتجاهل كون ظاهرة الهجرة غير النظامية تلقي بظلالها بشكل واضح على العلاقات بين تونس وشركائها الأوروبيين وفي مقدمتهم إيطالياباعتبارها أول «المحطات» التي يفد عليها المهاجرون القادمون في أغلبهم بزوارق ابحرت من السواحل التونسية خلسة. وهنا يقتضي الإنصاف القول إن تونس حريصة جدا على تأمين حدودها البحرية تماما مثل البرية وأن قوات الحرس البحري وجيش البحر تبذل جهودا مضنية من أجل إحباط أي محاولة للتسلل عبر مياهنا الإقليمية نحو إيطاليا بشكل غير نظامي. ولكن المصارحة تقتضي أيضا ان نقرّ بأن هذه الظاهرة ماتزال مثار قلق لنا نحن في تونس تماما مثل باقي الشركاء الأوروبيين وربما أكثر حدة بالنسبة إلينا باعتبار ان لها أبعادا متعددة يتقاطع فيها الاجتماعي بالاقتصادي بالأمني بالبيئي بالثقافي وهو ما يجعلها شائكة ومن الصعب السيطرة عليها ولا يكفي قطعا ان تقتصر مقارعتها على الجانب الأمني فقط.
وهنا ينبغي القول إن تونس قد بادرت في أكثر من مرة بتقديم مقاربتها لهذه الظاهرة للطرف الإيطالي على وجه الخصوص خلال الزيارات المتعددة التي أدتها السيدة جورجيا ميلوني الى بلادنا.
وقد كانت مكالمة التهنئة فرصة ليذكّر رئيس الجمهورية قيس سعيّد بالثوابت التونسية بخصوص هذا الملف الحارق مؤكدا حرص بلادنا على العمل مع إيطاليا وسائر الشركاء الأوروبيين من أجل وضع حد لهذا الوضع غير الطبيعي وبهدف ارجاع المهاجرين غير النظاميين الى بلدانهم الأصلية والذين يتواجدون بشكل غير قانوني داخل التراب التونسي. والأكيد ان تونس بمفردها لا تستطيع إعادة هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين القادمين من دول الصحراء والساحل الى البلدان التي غادروها لاسيما وان اغلبهم لا يتحوز على أوراق تثبت هويته واغلبهم قادم من أماكن تعيش احتقانا وتوترا وعدم استقرار وهم فارّون سواء من الحروب أو من الأزمات الاقتصادية والسياسية وبالتالي هناك صعوبة في التعاطي معهم.
ولعل أول خطوة يمكن اتخاذها في الطريق الصحيح هي إقامة قمة بين البلدان المعنية من اجل تفصيل هذه الظاهرة وإيجاد الحلول وتتبع بوضع اعتمادات مالية من الأوروبيين لمساعدة بلدان الضفة الجنوبية وفي مقدمتها تونس من اجل القضاء على الهجرة غير النظامية.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …