طرحها رئيس الجمهورية لأول مرة في خطاب القسم : الثورة الثقافية.. استحقاق وجيه
دشّن رئيس الجمهورية قيس سعيّد رسميا ولايته الثانية يوم الاثنين 21 أكتوبر 2024 بعد أداء اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم في جلسة ممتازة للمجلسين انعقدت بقصر باردو، وأشرف إثر ذلك مباشرة على فتح المسبح البلدي بالبلفدير بعد ترميمه وإصلاحه وتهيئة ساحة باستور بالعاصمة، كما دخل مباشرة في جوهر الموضوع كما يقال بالإشراف على اجتماع ضم كل أعضاء حكومته أعاد فيه على مسامعهم فصل خطاب القسم.
وكما صار معلوما، فقد كان خطاب القسم متطابقا مع خطاب قسم سيادته في 2019 ومع جميع خطبه وتصريحاته خلال اطلالاته الإعلامية بما في ذلك ظهوره في الحملة الانتخابية الرئاسية الاخيرة وتأكيده على مسألة السيادة الوطنية واستمرار حرب التحرير ومقاومة الخونة والفاسدين في الداخل والخارج والمندسين في الادارة وفي مفاصل الدولة كلها،لكن الجديد هذه المرة هو التوقف عند المسألة الثقافية بل والحديث عن الثورة الثقافية ذاتها.
لقد أبرز رئيس الجمهوريّة قيس سعيد في خطابه الاثنين حاجة تونس إلى «ثورة ثقافية تقوم على تصوّر جديد للحياة داخل المجتمع من أجل التّصدّي لكلّ أنواع الإنحرافات.. ثورة يستبطنها المواطن ويسعى لتحقيقها في كلّ مجال..ثورة على المفاهيم البالية من أجل إرساء فكر جديد بدأت بوادره تظهر بعد انتخابات 2019 قبل أن تتحرك اللّوبيات لتجهضها وتزرع الإحباط» مؤكدا «أنّ الشعب التونسي لن يحبط ومصرّ على العبور من الإحباط إلى البناء والتشييد» على حد تعبيره.
ويضيف الرئيس في الخطاب أنّ التصدّي لهذه العقبات لا يوازيه سوى «التّصدّي لأي تدخّل في شؤون تونس الدّاخلية»، وذكّر بشدّة بأنّ الشعب التونسي «هو الذّي يقرّر ويختار ونتعاون مع شركائنا وأصدقائنا على أساس النّدية الكاملة والمصالح المشتركة».
إنّها المرة الأولى التي تُستخدم فيها عبارة الثورة الثقافية وحتى البيان الانتخابي الذي تم ترويجه قبل السادس من اكتوبر فهو لم يتضمن كلمة ثقافة مطلقا وهو ما يعني ان هناك انتباها الى ان ما يعيق تحقيق اهداف الثورة وتحصينها ضد الثورة المضادة وضد الانقلابات والردّات هو غياب الثقافة التي ترتقي بوعي الناس وتحصّن عقولهم ضد الجهل والتبعية والخوف والتواكل وغيرها من العوائق والآفات.
هذا ولئن ارتبطت مقولة «الثورة الثقافية» بالتجربة الصينية وتحديدا بين سنتي 1966 و1968 زمن ماوتسي تونغ، وكانت تجربة مثيرة للجدل، فإن الثورة الثقافية أو تثوير الثقافة أو المقاومة الثقافية، كان خيارا وشعارا مطروحا على أجندا العديد من القادة والزعماء والرؤساء وحتى الملوك في العالم الى جانب المجموعات السياسية المعارضة أيضا التي كانت تبني نقدها للأنظمة على أساس افتقارها لرؤية واضحة وتقدمية وحداثية للثقافة ودورها في إرساء دولة القانون والمواطنة والعدل والتنمية الشاملة.
ان المسألة الثقافية ليست بالأمر الهيّن، لأن القيم الثقافية ببساطة لا تساير في الغالب وبنفس السرعة والوتيرة التغيرات والتحولات السياسية الفوقية أو التحولات الفكرية التي تبتدعها القيادات الفكرية والزعامات السياسية، وغالبا ما يجد «الثوريون» او لنقل المجدّدون مقاومة وصمودا سلبيا داخل المجتمع المحافظ الذي تنخره الآفات المتعددة المتوارثة والمتراكمة والمتغولة ومن هذا المنطلق فان الثورة الثقافية أو المقاومة الثقافية يجب أن يكون منطلقها المجتمع ذاته والرهان على الناشئة بوجه خاص.
وفي انتظار أن تتضح معالم الثورة الثقافية التي بشّرنا بها رئيس الجمهورية والتي تقع ترجمتها في سياسة عامة للدولة تتولى الوظيفة التنفيذية ضمان تحقيقها لأهدافها، لا يمكن أن نتجاوز حقيقة أن رياح الثورة لابد ان تلامس جميع القطاعات وتمر عبر جميع البوابات.
ان الثورة الثقافية ليست مسؤولية حصرية لوزارة الثقافة التي لم تطرح على نفسها يوما هذه المسؤولية، بل هي مسؤولية مشتركة، والتثوير ينطلق من رياض الاطفال والمدارس الابتدائية والاعدادية والمعاهد الثانوية والجامعات ووسائل الاعلام ومراكز العمل والفضاءات العامة وهو ما يعني ضرورة التعجيل بالاصلاح التربوي واعادة النظر في التظاهرات الشبابية والثقافية والرياضية وغيرها داخل أطر العمل وداخل العائلة وخارجها والتصدي بكل حزم لكل مظاهر التمييع والتسطيح والتجهيل..
ولن يكون بمقدورنا القطع مع الماضي وتحقيق مطالب وشعارات الثورة المنادية بالتشغيل والحرية والكرامة اذا تجاهلنا المسألة الثقافية. وأتقنّا الملاءمة بين الخصوصية والكونية، بين هويتنا العربية الاسلامية والانسانية في نفس الوقت.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…