2024-10-22

رئيس الجمهوريّة في كلمته بمناسبة أدائه اليمين أمام المجلسين : سنستمرّ من عبور إلى عبور باسم الإرادة الشعبية

قال رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد، في خطاب وجّهه للشعب التونسي أمس الإثنين، بعد أدائه اليمين أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية يوم 6 أكتوبر الجاري «إنّ الشعب التونسي قال كلمته بكلّ حرّية يوم 6 أكتوبر واحتكم لقناعته وضميره»، مؤكدا ضرورة «الانطلاق في ثورة تشريعية تجسّم آمال الشعب، وبناء اقتصاد يرتكز على خلق الثروة، في ظلّ خيارات وطنيّة نابعة من إرادة الشعب، بما يتيح تحقيق ما كان يعدّ من المستحيل أو الأحلام».

وشدد رئيس الدولة، خلال جلسة عامة ممتازة بقصر باردو، على أنه «لا مكان في الوطن لمن لا يعمل على تحقيق آمال الشعب وتحقيق مطالبه المشروعة» قائلا «ليعلم الجميع أنّ كلّ من يعطّل السّير الطّبيعي للمرافق العمومية ولدواليب الدّولة لن يبقى دون محاسبة» مشيرا الى أن أبواب الصلح الجزائي مع المعنيين به يمكن أن تفتح من جديد «فمن سطا على أموال الشعب وسيقوم بإعادتها لا حاجة لأن يبقى سجينا أو فارّا.. أما من ارتأى طريقا أخرى فسيكون القضاء وحده هو الفيصل» حسب تعبيره.

وفي سياق آخر، أشار سعيّد، الفائز في الانتخابات الرئاسية ليوم 6 أكتوبر الحالي بنسبة 90٫69 بالمائة من الأصوات إلى ما وصفه بـ«محاولات خفية أو ظاهرة سعت إلى إجهاض الثورة منذ 15 جانفي 2011 بعد إسقاط النظام، حيث تحوّلت مطالب الشغل والحرّية والكرامة الوطنية إلى مطالب جهوية وقطاعية بهدف الإبقاء على المنظومة القديمة مع تغيير شكلي، حتى تظل البلاد محكومة من قبل من يريد البقاء وراء الستار لمزيد التنكيل بالشعب والتحكم في مقدراته».

كما ذكّر بأن مؤامرة أخرى قد تم التخطيط لها يوم 9 أفريل 2012 حين حاولت مجموعات مسلّحة قمع المتظاهرين حتى تضفي شرعيّة مزعومة، بالإضافة إلى تواتر العمليّات الإرهابيّة في تلك الفترة، ومنها ذبح الجنود بعد يوم من الصّيام في شهر رمضان وكذلك تفجير حافلة الأمن الرئاسي «من قبل الذّين لم تسعهم سوى مرتفعات الشعانبي لممارسة الأنشطة الرّياضية» (في إشارة الى تبرير قدّمته وزارة الدّاخلية أنذاك، بخصوص عناصر إرهابيّة كانت تتحصّن بجبل الشعانبي في ولاية القصرين، بادعائها أنهم كانوا هناك لممارسة الرياضة).

وصرح رئيس الجمهوريّة، بأنّ النصوص القانونية في تلك الفترة «كانت تصاغ على المقاس بحجّة التوافق» وأنّ الأصوات المنادية بحلّ البرلمان بدأت تعلو قبل ظهور جائحة «كورونا» التي حصدت الكثير من الأرواح، مشيرا إلى أنه لولا جهود الأطباء وتآزر التونسيين لكان عدد الضّحايا أكثر بكثير.

وتطرق الى قراره تجميد أعمال مجلس نواب الشعب يوم 25 جويلية 2021 (تاريخ اتخاذ الإجراءات الاستثنائية) قائلا «إنّ هذا القرار لم يكن يعلم به أحد.. بل كان قرارا أملاه عليّ ضميري والأوضاع التي كانت تتفاقم يوما بعد يوم في الدّولة والمجتمع».

وبين أنه على ضوء هذه الأحداث، تمّ وضع دستور جديد بعد تنظيم استشارة وطنيّة كللت بالنجاح «رغم كلّ محاولات المناوئين لإفشالها» وتمّ انتخاب البرلمان وانتخاب المجلس الوطني للجهات والأقاليم وهو عمل «لم يكن بالهيّن»، حيث كانت «فلول المنظومة التي بقيت منتشرة في عديد المؤسسات تعمل على إفشاله، فضلا عن الخيانات ومحاولات تأجيج الأوضاع بكل السبل» وفق قوله.

ولدى تعرضه للأسباب التي أدت الى تأخر إرساء العديد من المؤسسات بعد حلّ البرلمان، قال رئيس الجمهورية «لم يكن تأخرّا بل كان تأنيّا حفاظا على استمرارية الدّولة والسّلم الاجتماعي (…)، وقد تأتي لحظة المكاشفة والمصارحة حتى يعلم الجميع بما كان يرتّب له في الدّاخل والخارج على حدّ سواء، في محاولة لإدخال تونس في أتون اقتتال داخلي وتقسيمها إلى مجموعة مقاطعات»، مشيرا إلى أن «نواب الشعب أسقطوا مخططات كان عملاء الصهيونية العالمية وأعضاء الماسونية قد رسموها وحددوها بهدف تحقيقها».

وشدد على أنه «لا مكان للخونة والعملاء ولمن يرتمي في أحضان دوائر الاستعمار» وأنّ الشعب التونسي آل على نفسه مواصلة «حرب التحرير الوطني لتخليص البلاد من هذه الفلول ومواصلة مسيرة التحدّي والتّحرّر الوطني الكامل»، مؤكدا في هذا السياق على أنه سيتم «الحفاظ على المنشآت والمؤسسات الوطنية ولكن بعد تطهيرها من الفساد».

واعتبر أنه من أكبر هذه التّحديات التي سيتم العمل عليها دون هوادة، هو فتح طريق جديدة أمام العاطلين عن العمل وخاصّة الشباب «الذّين هم ضحايا خيارات اقتصادية فاشلة» وفق قوله، معتبرا أن الشركات الأهلية «التي حاولت قوى الرّدة تعطيلها» هي حلّ ويمكن استنباط حلول أخرى. وأبرز في هذا الصدد، ضرورة التّخلص من المفاهيم والمصطلحات البالية واستنباط مفاهيم أخرى جديدة تعود بالنّفع على العمّال، قائلا «إنّ من يبحث عن منوال التنمية فليعلم أن المنوال سيضعه الشّعب المفقّر».

كما أكد سعيّد أنه «على الدولة أن تستعيد دورها الاجتماعي كاملا غير منقوص مثلما استعاد الشعب التونسي سيادته» وأن الحقوق الاجتماعية من تعليم عمومي ونقل وصحة عمومية ومسكن وعمل لائق وأجر عادل مجز وتغطية اجتماعية، كلها تحديات يتعيّن على الدولة رفعها لأنها من حقوق الانسان الطبيعية، مشيرا الى أن الدور الاجتماعي للدولة لا يتعارض مع المبادرة الحرّة ولا يستهدفها مطلقا، كما أن الدستور التونسي يضمن التعايش بين القطاعين العام والخاص على أساس العدل الاجتماعي.

ولاحظ أن مؤسسات التّرقيم تستند في تقييمها الى مؤشرات «اقتصاد الرّيع الذي لا ينتج الثروة، بل يجعل الأموال تتداول بين الأثرياء الذين يزدادون ثراء ويفاقم فقر الفقراء» حسب تعبيره، مشيرا إلى «أنه من المفارقات أنّ نسب النّمو، تقوم على معطيات مغلوطة ومغشوشة، حيث كانت نسبة النّمو تتراوح في التسعينات وبعدها بين 3 و6 بالمائة ولو كانت حقيقية لما حصلت ثورة».

وعلى مستوى آخر، أبرز رئيس الجمهوريّة في خطابه، حاجة تونس إلى «ثورة ثقافية تقوم على تصوّر جديد للحياة داخل المجتمع» من اجل التّصدّي لكلّ أنواع الإنحرافات «ثورة يستبطنها المواطن ويسعى لتحقيقها في كلّ مجال.. ثورة على المفاهيم البالية من أجل إرساء فكر جديد بدأت بوادره تظهر بعد انتخابات 2019 قبل أن تتحرك اللّوبيات لتجهضها وتزرع الإحباط» مؤكّدا «أنّ الشعب التونسي لن يحبط ومصرّ على العبور من الإحباط إلى البناء والتشييد».

وأضاف في هذا السّياق، أنّ التصدّي لهذه العقبات لا يوازيه سوى «التّصدّي لأي تدخّل في شؤون تونس الدّاخلية» مشدّدا على أنّ الشعب التونسي «هو الذّي يقرّر ويختار ونتعاون مع شركائنا وأصدقائنا على أساس النّدية الكاملة والمصالح المشتركة» حسب تعبيره.

وبخصوص القضية الفلسطينية، قال رئيس الدّولة «نقف دون حدود مع كلّ الشعوب المضطهدة وأولها الشعب الفلسطيني حتى يستعيد حقه كاملا ويقيم دولته المستقلة على كل أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. كما نقف دون شروط مع الشعب اللبناني الشقيق» متابعا قوله «لا وجود عندنا لمصطلح التطبيع مع الكيان المغتصب .. مع الكيان المجرم.. مع الكيان الصهيوني، ومن يتعامل معه يرتكب جريمة الخيانة العظمى للحق الفلسطيني».

يشار الى أنه حضر جلسة أداء اليمين بالخصوص رئيسا الغرفتين البرلمانيتين ورئيس الحكومة ومفتي الجمهورية، إلى جانب أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، فضلا عن كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بتونس وكبير أحبار اليهود بتونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

المحكمة الجنائية تنصف غزة : أوامر باعتقال نتانياهو وغالانت من أجل ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية

الصحافة اليوم (وكالات الأنباء) أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس أوامر اعتقال بحق …