دشّن الرئيس قيس سعيّد عهدته الرئاسية الثانية بشكل رسمي بعد أن أدّى اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان في جلسة عامة ممتازة وألقى خطابا بهذه المناسبة يمكن القول في كلمتين إنه كان مثقلا بالدلالات والرموز.
ففي هذا الخطاب أعلن رئيس الجمهورية تقريبا عما يراه ويفكر فيه بشأن السنوات القادمة وخاصة ما يروم فعله في هذه المرحلة الدقيقة.
ولنقل بعبارة أخرى نحن أمام صياغة فكرية وربما منهجية لخارطة الطريق للسنوات الخمس القادمة والعنوان الأبرز هو بالتأكيد التحديات في معناها الشامل والمطلق والتي ترددت في الخطاب مرتبطة بالإقرار بالصعوبات القائمة من ناحية وبمعنى العزيمة والقدرة على التجاوز وخاصة الإنجاز.
ففي كلمته الى الشعب التونسي وجّه الرئيس رسائل متعددة معلنا بذلك انطلاق عهدته الرئاسية الثانية بعد النجاح الكبير الذي حققه في انتخابات 6 أكتوبر 2024 والتي فاز فيها من الدور الأول على منافسيه بفارق شاسع.
وفي مستهل هذا الخطاب بدا الرئيس قيس سعيّد واضحا في توجهه الى خصومه السياسيين مذكرا إياهم بأن الشعب قال كلمته الفصل بمنتهى الحرية وأنه صاحب السيادة بلا جدال ووجّه له التحية بهذه المناسبة.
وأكد الرئيس انه لن يتوقف طويلا عند الوقائع التي شهدتها تونس منذ اندلاع شرارة ما أسماه الانفجار الثوري الكبير يوم 17 من ديسمبر عام 2010 تحت شعار الشعب يريد الشغل والحرية والكرامة الوطنية.
وأشار الرئيس هنا إلى المحاولات الظاهرة والباطنة لإجهاض الثورة في أكثر من سياق وفي أكثر من واقعة وذلك من قبل القوى المعادية لها.وأن هناك نوايا كانت تهدف الى إحداث تغيير شكلي والإبقاء على المنظومة في عمقها عبر تغيير عناوين الثورة ومطالبها وتحويلها الى مطالب فئوية وجهوية وهو ما كان بمثابة تحويل وجهة لها والعمل على الإمعان في التنكيل بالشعب الثائر عبر التآمر على مقدراته.
وتوقف الرئيس بعض الشيء عند نمط الحكم الذي تلا الثورة التونسية والارهاصات الأولى لمسار الانتقال الديمقراطي وما رافقها من وقائع متعددة وأشار الى بعض الأحداث المؤلمة وفي مقدمتها الاعتداء على المواطنين من قبل بعض الميليشيات في أحداث 9 افريل الى جانب الهجمات الإرهابية الدامية التي دفعت المؤسستين الأمنية والعسكرية ثمنها من دماء الكثير من أبنائها البواسل.
كما تطرق بشكل خاطف الى بعض الممارسات السياسية التي كانت تتم في إطار المحاصصات وهو ما كان مكلفا على الشعب التونسي وأضرّ كثيرا بالمسار برمّته.
وتوقف الرئيس أيضا عند لحظة 25 جويلية 2021 وما تلاها من إجراءات كان لابد منها من أجل القضاء نهائيا على كل الممارسات التي أدت الى الازمة الاقتصادية واستشراء الفساد وتأبيد الأوضاع المغلوطة وخلق حالة من العطالة السياسية في المشهد التونسي.
وفي هذه الجلسة الممتازة التي انعقدت بقصر باردو امام نواب الغرفتين البرلمانيتين قال رئيس الجمهورية قيس سعيد إن أكبر تحديات المرحلة القادمة هو بناء اقتصاد وطني يرتكز على خلق الثروة في المقام الأول مع انتهاج خيارات وطنية نابعة من إرادة الشعب التونسي واستشهد هنا بأحد أبيات الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي : وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
وفي هذا السياق اعتبر رئيس الجمهورية أن محاربة الاقتصاد الريعي هو المدخل لمكافحة الحيف الاجتماعي في ظل أوضاع اقتصادية تؤبّد حالات البؤس والفقر للفئات المهمّشة وتزيد في الثراء الفاحش لفئة صغيرة من الأثرياء.
فالمنوال التنموي الذي اعتمدته تونس على امتداد عقود تأسس على الكثير من المفارقات وأهمها عجز الاقتصاد على مراكمة الثروة وغياب التنمية العدالة وهو ما خلق هوة بين الطبقات والجهات ورغم تحقيق نسب مقبولة على مستوى النمو في بعض السنوات التي سبقت الثورة التونسية إلا انها لم تؤد الى تحسين أوضاع التونسيين وهو ما أدى الى الانفجار الكبير.
وعليه فإن الحديث عن مناويل تنمية لا معنى له فوحده الشعب هو الذي يحدد النمط التنموي الذي يرنو اليه وهو يؤسس مرحلة جديدة من تاريخه عنوانها الأبرز هو البناء والتشييد.
وكان رئيس الجمهورية واضحا في خطابه وهو يؤكد على ملمح أساسي من ملامح المرحلة القادمة وهو الحفاظ على الدور الاجتماعي للدولة وهو أبرز التحديات التي سيتم العمل على رفعها وتتمثل أساسا في تمكين المواطنين من حقوقهم الاجتماعية من تعليم عمومي وصحة عمومية ونقل عمومي وسكن لائق وتغطية صحية واجتماعية وأجر عادل بالإضافة الى الحفاظ على المؤسسات والمنشآت العمومية بعد ان يتم تطهيرها وإعادة هيكلتها حتى تستعيد توازنها الذي فقدته جراء المعاول التي تسرّبت اليها بهدف تقويضها والتفريط فيها.
هذا طبعا دون المساس بالمبادرة الحرة او التضييق عليها فالدستور يضمن التعايش بين القطاعين العام والخاص لما فيه خدمة المواطنين ومصلحتهم، تماما كما ان الحرية في المجال السياسي مكفولة بالدستور شريطة ان لا تتحول الى فوضى وخرق للقانون.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…