من المتوقع ان يتم خلال الأسابيع القادمة الاعلان عن موعد القمّة التشاورية الثانية بين تونس والجزائر وليبيا والتي ستنعقد بالعاصمة الليبية بعد انتهاء احتفالات الجزائر بالذكرى السبعين لاندلاع الثورة الجزائرية والتي ستكون مناسبة سيلتقي خلالها قادة البلدان الثلاثة على هامش الاحتفالية لضبط موعد القمّة التشاورية والتي ترأست تونس موعدها الأول في أفريل الماضي حيث تم الاتفاق على أن تنتظم بشكل «ربع سنوي» للنظر في الملفات المشتركة ولتنسيق المواقف في القضايا الاقليمية والدولية مع العمل على وضع خارطة طريق لتسهيل التعاملات التجارية والاقتصادية بين شعوب البلدان الثلاثة.

على أن ملف الهجرة غير النظامية والتسربات الكبرى لافارقة جنوب الصحراء والتي أثرت بعمق على اقتصاديات البلدان الثلاثة وخاصة تونس التي تحوّل فيها الملف الى هاجس دولة «باتم معنى الكلمة» باعتبار تداعياته الكبرى على المستويين الامني والاقتصادي والاجتماعي سيتصدر ـ دون شكّ ـ القمّة الثلاثية الثانية التي ستنعقد بالعاصمة الليبية المطالبة بالحسم في ملف توافد افارقةجنوب الصحراء وبالتالي التصدي «لفكرة» ايوائهم على ضفاف المتوسط الجنوبي كما تسعى الى ذلك ايطاليا بدعم من الاتحاد الاوروبي ما يستوجب موقفا سياديا موحدا يحمي المنطقة وشعوبها وسياداتها من اختراقات خطيرة على الأمن القومي لشعوب البلدان الثلاثة…

«تأسست» القمّة الثلاثية التشاورية كما هو معلوم وانطلقت كفكرة خلال الأيام التمهيدية التي جمعت الأطراف الثلاثة يوم 3 مارس 2024 على هامش قمّة الدول المصدرة للغاز التي انعقدت بالجزائر وقد لاقى هذا «التأسيس» قبولا من طرف قادة المنطقة وشعوبها واعتبره الملاحظون «تأسيسا بديلا» عن الاتحاد المغاربي الذي أصبح هيكلا فارغا وغير مؤثّر وهو معطل تماما فلا صوت ولا مواقف له ـ فقط  ـ مجرد «بناية بلا محتوى» لذلك يعتبر «الملاحظون» ان القمّة الثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا هي في الواقع اطار جديد بل بناء مؤسساتي أو «تحالف اقليمي» استراتيجي لتطوير الجهود التجارية والاقتصادية ولتوحيد المواقف السياسية خاصة وان منطقة المغرب العربي قد تم اختراقها من طرف «الكيان الصهيوني» الذي نجح في فتح مسار التطبيع مع المغرب وفي انشاء علاقات ديبلوماسية وفي بعث «سفارة» له بالعاصمة المغربية وهو «اختراق» ـ كما هو معلوم ـ ضدّ ارادة الشعوب المغاربية عامة ويتعارض ـ أيضا ـ مع الارادة الرسمية لقادة البلدان الثلاثة ولهم ـ كما يعلم الجميع ـ مواقف رافضة تماما لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وبالتالي فإنه من المهام الموكولة «للقمّة الثلاثية» وهو ما تم التأكيد عليه في البيان الختامي لقمّة تونس التي انعقدت في أفريل الماضي التصدّي لكل أشكال التطبيع سواء كان سياسيا أو تجاريا أو أكاديميا أو ثقافيا مع الكيان الصهيوني… مع الإشارة إلى أن «القمّة الثلاثية» تبقى مفتوحة لكل من يريد الانضمام اليها كما أكد على ذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وذلك في ردّه على سؤال يتعلق بعدم وجود «المغرب» ضمن هذا الثلاثي المغاربي مع العلم ان المغرب قد بعثت مبادرة «الطريق نحو الاطلسي»اعتبرتها الجزائر اختراقا لأمنها القومي من جهة دول الساحل والصحراء وهذا «ملف آخر» من بين الملفات التي ستطرح أيضا في القمّة التشاورية الثانية بليبيا لعلاقته بأمن الجزائر وأمن المنطقة عموما خاصة وأن التسربات الكبرى لافارقة جنوب الصحراء إنما تحدث من هذه الجغرافيا المفتوحة على الحدود الجزائرية من جهة النيجر ومالي وغيرها من دول الساحل والصحراء..

وبقطع النظر عن كل هذه المعطيات فإنه أمام القمّة الثلاثية في دورتها التشاورية الثانية ملفات كبرى بل لنقل تحديات كبرى تمّت الاشارة اليها في «قمّة تونس الأولى» وعلى رأسها ملف الهجرة غير النظامية ـ كما أشرنا ـ وتسربات أفارقة جنوب الصحراء الى دول المنطقة وخاصة تجاه تونس التي لا تجمعها حدود ترابية مع دول الساحل والصحراء وهو ما يضع استفهامات كبرى من حول «عبورهم السهل» عبر صحراء الدول المجاورة الى غاية الحدود التونسية اضافة الى تعارض مواقف البلدان الثلاثة وتباينها في تعاطيها مع ملف الهجرة وخاصة في مستوى الاتفاقيات مع ايطاليا ومع الاتحاد الاوروبي وهي الاطراف «الشريكة موضوعيا» والتي تتعمّد التعامل بشكل منفرد مع دول المنطقة وذلك بامضاء اتفاقيات ثنائية ما دعت قمّة تونس الى تداركه حتى تكون «المواقف والاصوات» والارادات موحدة بمعنى ان تكون الاتفاقيات مع الشركاء في المتوسط «ثلاثية» (تونسية جزائرية ليبية) حتى تكون المعالجة مشتركة وحتى لا تتم على حساب أيّ بلد دون غيره…

اضافة الى ملف الهجرة غير النظامية فإن ملفات أخرى ذات بعد استراتيجي ستتصدّر دون شكّ أشغال القمة الثلاثية الثانية من بينها ملف الأمن الغذائي في المنطقة والأمن المائي وهو الملف الأهم على الاطلاق في علاقة خاصة بالمياه الجوفية بين البلدان الثلاثة ومن حول هذا الملف اسئلة وتحفظات كبرى حول التقاسم غير العادل في استغلال المياه الجوفية اضافة الى ملفات أخرى في علاقة بالاستثمارات المشتركة وخاصة في المجال الطاقي وغيرها من القطاعات ذات العلاقة القصوى بالامنين الغذائي والمائي…

يبقى فكّ النزاع بين الاشقاء في ليبيا الملف الأكثر استعجالية ويمكن اعتبار العمل الديبلوماسي المشترك بين تونس والجزائر الحلّ الامثل لانهاء النزاع دون الحاجة الى تدخل أمريكي أو قطري أو تركي وهو ما أكد عليه «البيان الختامي» لقمّة تونس الأولى والذي دعا الى الوقوف بقوة من أجل وحدة ليبيا..

نختم بالتأكيد على أن هذا الاطار الثلاثي الجديد بين تونس والجزائر وليبيا ولئن لم يأخذ بعد شكله المؤسساتي فإنه يمكن أن يتحول ـ بالفعل ـ الى تحالف اقليمي ثلاثي مفتوح على دول المنطقة المغاربية خاصة وأن المشترك التاريخي والحضاري والجغرافي بين البلدان الثلاثة يؤهلها للتحول الى «تكتل اقليمي» اقتصادي وسياسي وعسكري أيضا بامكانيات كبرى قادرة على مواجهة تبدّلات التاريخ والجغرافيا التي يشهدها العالم اليوم.

ويبقى السؤال الأهم والذي نطرحه من باب الدفع لا من باب هدم العزائم: في انتظار انعقاد القمة الثلاثية الثانية.. ماذا فعلنا بتوصيات القمة الثلاثية الأولى..؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…