فتح سوق الزيتون على الأبواب : المنتجون متخوّفون من الممارسات الاحتكارية للمصدّرين
ما من حديث هذه الأيام في الوسط الفلاحي إلا ويتمحور عن الأسعار المنتظرة لبيع الزيتون قبيل أيام قليلة من فتح سوق الزيتون بصفاقس، وتتراوح آراء الفلاحين بين من يرى أن الأسعار ستبقى في مؤشرات العام الماضي وبين من يتوقع نزولها بسبب ارتفاع الانتاج مقارنة بالعام الماضي بنحو70 ألف طن .
حيث بلغ انتاج زيت الزيتون العام الماضي 220 ألف طن، تمّ تصدير 190 ألف طن منها، فيما وجّهت 30 ألف طن للاستهلاك المحلي. وبلغت عائدات تصدير زيت الزيتون 5 مليار دينار خلال الـ 11 شهرا الأولى للموسم، ما أدى الى تحقيق فائض تجاري غذائي بفضل ارتفاع أسعار زيت الزيتون في السوق العالمية بـ 60 بالمائة.
مصادرنا من تجار ومنتجي الزيتون تؤكد أن الأسعار لهذا العام ستبقى على حالها مقارنة بالعام الماضي ولن تتأثر بما يتم تداوله بشأن إمكانية تقلصها بالنظر إلى ما يتم ترويجه بشأن ارتفاع الإنتاج على المستوى العالمي وخاصة بإسبانيا كما أن من يروج لهذه الآراء بخصوص تقلص أسعار الزيتون قد تحركهم غايات احتكارية على عكس ماينتظره الفلاح المنتج الذي يتكبد تكاليف كبيرة في الأدوية ومياه الري والطاقة وغيرها .
وفيما تحتل تونس مكانة بارزة عالمياً في إنتاج زيت الزيتون، حيث تقدر المساحة المزروعة بأشجار الزيتون بأكثر من 1.8 مليون هكتار، وهو ما يعادل حوالي 79 % من المساحة الزراعية الإجمالية في البلاد. يمثل زيت الزيتون أحد أهم منتجات التصدير التونسية، حيث يتم تصدير نحو80 % من الإنتاج إلى الخارج، مع تزايد الطلب على زيت الزيتون التونسي في الأسواق الأوروبية والأمريكية، غير أن تكاليف الإنتاج أصبحت تشمل عدة عوامل رئيسية تزيد من عبء المنتجين مايجعلهم متمسكين بضرورة أن لا يتم التلاعب بالأسعار في سوق الزيتون بصفاقس ومنها ارتفاع تكلفة اليد العاملة حيث تعتمد زراعة الزيتون وجنيه ،بشكل كبير على اليد العاملة، والتي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في الأجور خلال السنوات الأخيرة. علاوة على التغيرات المناخية حيث مثّل نقص الأمطار والجفاف المتكرر عائقا أما زيادة كلفة الانتاج، مما أدى إلى انخفاض المحاصيل ورفع تكاليف الري فضلا عن تزايد أسعار الاسمدة والمبيدات التي شهدت زيادات متسارعة في الأسعار بسبب ارتفاع الأسعار العالمية لهذه المواد وكذلك ارتفاع أسعار الوقود والطاقة حيث يؤثران سلباً على تكاليف الإنتاج والنقل، خاصة وأن معظم عمليات الري تتم باستخدام محركات وقود.
تقلبات الأسعار في السوق العالمية
تتأثر أسعار زيت الزيتون في السوق العالمية بالعديد من العوامل، منها العرض العالمي الذي يتأثر بشكل رئيسي بالإنتاج في الدول الرئيسية المنتجة للزيت مثل تونس، إسبانيا، إيطاليا، واليونان. عند زيادة الإنتاج في هذه الدول، تنخفض الأسعار العالمية، مما يؤثر سلباً على المنتجين في تونس. إلى جانب ذلك فإن الدول الأوروبية تقدم دعماً كبيراً لمنتجي زيت الزيتون، مما يجعل المنافسة صعبة بالنسبة للمنتجين التونسيين .
أمل المنتجين في استقرار الأسعار
في مواجهة هذه التحديات، يتطلع منتجو الزيتون في تونس إلى استقرار الأسعار العالمية من أجل تحقيق هامش ربح معقول. ولتحقيق هذا الاستقرار، يتم التركيز على تنويع الأسواق بدلاً من الاعتماد فقط على الأسواق الأوروبية، كما من الممكن أن يعمل المنتجون على فتح أسواق جديدة في آسيا وأمريكا الشمالية، حيث الطلب على زيت الزيتون البكر الممتاز يتزايد.
دور «الوسطاء» والمصدرين في سلسلة التصدير
الوسطاء في هذه الحلقة يلعبون دوراً رئيسياً في سلسلة تصدير زيت الزيتون في تونس. حيث يقومون بشراء الزيتون من الفلاحين، غالباً بأسعار أقل من القيمة السوقية الفعلية، ومن ثم يبيعونه بأسعار أعلى للمعاصر أو المصدرين. في المقابل، المصدرون يمتلكون النفوذ الأكبر في تحديد أسعار البيع النهائي في الأسواق العالمية، نظراً لارتباطهم المباشر بالأسواق الخارجية وتحديدهم للأسعار بناءً على الطلب العالمي.
وتتمثل أبرز ممارسات الاحتكار التي يمارسها الوسطاء والمصدرون في التحكم في الأسعار إذ يشتكي العديد من الفلاحين من أن الوسطاء والمصدرين يتفقون في ما بينهم على تحديد سعر الشراء بشكل مسبق، مما يجعل الفلاحين غير قادرين على التفاوض على أسعار عادلة تتناسب مع تكاليف الإنتاج.
كما ان الشراء المسبق بأسعار منخفضة يدفع ببعض المصدرين إلى القيام بعقد اتفاقيات شراء مسبق مع القشارة قبل بدء موسم جني الزيتون، حيث يتم تحديد سعر منخفض مسبقاً، مما يضع الفلاحين تحت ضغوط كبيرة لقبول هذه الأسعار. هذا علاوة على احتكار بعض المصدرين تصدير كميات كبيرة من زيت الزيتون، مما يجعلهم في موقف قوة أمام المنتجين الذين يضطرون لبيع منتجاتهم بأسعار أقل للحصول على فرصة الوصول إلى الأسواق الخارجية.
وتؤدي هذه الممارسات في اغلبها مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة من حيث العمالة والمواد الزراعية،إلى تآكل أرباح الفلاح المنتج .
ومع خطورة هذه الممارسات الاحتكارية على القطاع،يرى كثيرون أن الحل في تشجيع احداث التعاونيات الفلاحية حيث تهدف هذه الخطوة إلى تمكين الفلاحين من التعاون في ما بينهم لتشكيل قوة شرائية وبائعة أكبر، تمكنهم من التفاوض على الأسعار بشكل أفضل والوصول إلى الأسواق دون الحاجة إلى وسطاء.
وفي باب التشريعات والمراقبة يمكن ان تسعى الحكومة من خلال وزارة التجارة ووزارة الفلاحة إلى تشديد الرقابة على الممارسات الاحتكارية وضمان شفافية الأسعار، وذلك من خلال إنشاء آليات لضبط السوق ومنع التلاعب بالأسعار فضلا عن تحفيز التصدير المباشر عبر تسهيل الإجراءات الإدارية ودعم الفلاحين الصغار في تصدير منتجاتهم بشكل مباشر إلى الأسواق الخارجية، بما يمكن من تقليل الاعتماد على الوسطاء والمصدرين الذين يحتكرون السوق.
مشروع الانتقال الطاقي بالمؤسسات العمومية : توجّه لاستدامة الموارد الطاقية وتخفيف الأعباء المالية
تواصل بلادنا تنفيذ مشروع «الانتقال الطاقي في المؤسسات العمومية» الذي سيشمل 22 وزارة، وتهدف…