2024-10-15

في الذكرى 61 لإخراج آخر جندي فرنسي من أرضنا: معارك الجلاء مستمرّة في تونس المستقلّة

تحيي تونس اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 الذكرى 61 لعيد الجلاء في سياق وطني واقليمي ودولي دقيق، ورغم تواتر الاحتفال بهذا العيد، بل وبمجمل أعيادنا الوطنية كل عام فإن لهذه المناسبة طعم خاص فهي تعيدنا إلى لحظة سيادية بامتياز وضع فيها التونسيون حدّا لحقبة استعمار مباشر مقيت أطبقت فيه فرنسا على كل شيء وعبثت بمقدراتنا وأزهقت أرواح أجيال وأجيال من الوطنيين.

وقد حرص المستعمر السابق وقوى نافذة أخرى في العالم ممّن نطلق عليها صفة «الأصدقاء» و«الشركاء» على ربط مصيرنا بها بشتى السبل دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن لهذا الوطن شعب يحميه، لذلك نقول دون مبالغة أن معارك الجلاء مستمرة وأن استقلال قرارنا وسيادتنا الوطنية ثوابت ومسائل غير قابلة للنقاش والتفاوض.

ولن نعود هنا إلى ما تعرضت له دولة الاستقلال من مقايضات وابتزاز على مرّ العقود في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والمراهنة في بعض الأحيان حتى على «الأبناء الضالين» وتوظيفهم لتكريس التبعية والتدخل في الشأن الوطني.

ولئن غذّت بعض أزماتنا الداخلية طمع الآخرين فينا وشجعتهم حتى على حشرنا في لعبة المحاور بين الفينة والأخرى، فإن تونس ظلت عصيّة على الانصياع والطاعة ولم تنحن رغم كل شيء.

ولعل ما عشناه من شدّ وجذب خلال السنوات القليلة الماضية يؤكد ما ذهبنا إليه من أن المتربصين بتونس كثر وقد ترجموا نواياهم في ما صدر عن صندوق النقد الدولي على سبيل المثال لحرماننا من قرض رغم وفاء الحكومة التونسية بكل ما طُلب منها من تعهدات وإصلاحات أضف إلى ذلك المفاوضات حول سياسة الهجرة غير النظامية في حوض البحر الأبيض المتوسط ورغبة «الأصدقاء» في تحويل بلادنا إلى شرطي في هذا الفضاء لحماية حدود الدول الأوروبية بحكم موقعنا الاستراتيجي شمال افريقيا وهم يعلمون أنه ليست لنا حدود مباشرة مع دول جنوب الصحراء التي يرغب أبناؤها في الولوج إلى «الجنة» في شمال المتوسط دون أن ننسى تلكؤ نفس الأصدقاء في التجاوب معنا في ما يعرف بملف الأموال المنهوبة التي تعود إلى حقبة ما قبل ملحمة 14 جانفي2011 غير المكتملة.

والأخطر من كل هذا أن بعض «الأصدقاء» لم «يهضموا» موقف تونس الطبيعي، الرسمي والشعبي من الصراع مع الكيان الصهيوني ويعلم العارفون بالشأن الدولي الضغوط والاكراهات والأساليب الملتوية التي تحاك من أجل جرّنا إلى التطبيع مع هذا العدو.

إن الذكرى تحرك الذاكرة، وحريّ بنا دائما أن نستخلص الدروس من تجاربنا ومن المحطات المضيئة في تاريخنا، وبقطع النظر عن القراءات المتعلقة بـ«معركة الجلاء» أو «حرب الجلاء» وإن كانت خيارا بورقيبيا صرفا أراد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة من خلاله حسم خلافاته داخل الحركة الوطنية وحزب الدستور أو خيارا حتميا لشعب يخوض معركة تحرر وطني ويريد تثبيت حقه في تقرير مصيره وإخلاء أرضه من وجود المستعمر، فإن ما عاشته البلاد أنذاك بشكل عام وشمالها وخاصة مدينة بنزرت يبعث فينا العزة ويفرض علينا تثمين تضحيات أبناء شعبنا.

لقد كانت معركة الجلاء طويلة ومكلفة، انطلقت فعلياً يوم 8 فيفري 1958 مباشرة بعد العدوان الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف التي تقع على الحدود التونسية الجزائرية فاختلطت حينها دماء الشهداء الجزائريين والتونسيين.

وكان رد فعل الحكومة التونسية في البداية «هادئا» إن جاز القول حيث قررت في 17 جويلية 1958 العمل على إجلاء بقايا الجيوش الفرنسية من قاعدة بنزرت بالوسائل الديبلوماسية، لكن تأزم الأوضاع وبلوغها الذروة في السنوات الموالية عجّل بقرار خوض المعركة التي أسفرت عن سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى إلى جانب دمار رهيب حيث عمد جيش الاحتلال الفرنسي إلى سياسة الأرض المحروقة تشفيا في تونس قبل مغادرتها نهائيا وإخلاء القاعدة البحرية في بنزرت، وفي يوم 15 أكتوبر 1963، غادر الأميرال الفرنسي فيفياي ميناد المدينة وكان ذلك بمثابة إعلان نهاية مرحلة الاستعمار الفرنسي لتونس.

ووفق مقولة «ما أشبه اليوم بالبارحة»، فقد أصدر مجلس الامن الدولي آنذاك قرارا يدعو الى وقف إطلاق النار أثناء المعركة غير أن المستعمر رأى خلاف ذلك وجوبه بطبيعة الحال ببسالة الشعب التونسي، مدنيوه وأبناؤه من نواتات الحرس والشرطة والجيش الوطني وتم نهائيا غلق قوس الاستعمار الفرنسي المباشر بين 1881 و1963.

إن التحدي اليوم هو الحفاظ على منجز الدولة الوطنية أولا وتعزيزه وتحصينه ثانيا ضد كل ردّة يمكن أن تهدّد استقلاله ووحدته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!

تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…