2024-10-12

رسميا، قيس سعيّد رئيسا للجمهورية لولاية ثانية : الخطوة القادمة.. قَسَمٌ وخِطابُ تهْدئة وطمْأنة

صدرت مساء أمس نهائيا النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية ليوم 6 أكتوبر 2024، وثبّتت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فوز رئيس الجمهورية قيس سعيد بولاية ثانية من الدور الأول في غياب طعون أمام القضاء.

في غضون ذلك تسير الأمور والترتيبات على قدم وساق كما يقال داخل الغرفتين أي داخل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم لإعداد الجلسة الممتازة التي سيؤدي فيها رئيس الجمهورية قيس سعيد القَسَم مطلع الأسبوع القادم ويلقي خلالها أيضا خطابه للشعب.

وكما جرت العادة سيكون خطاب الرئيس هذه المرة أيضا بمثابة إعلان نوايا وبرنامج عمل للسنوات الخمس القادمة، لكنه سيكون في تقديرنا مغايرا لخطاب العام 2019 سواء في الشكل أو في المضمون.

ففي العام 2019، جرى القَسَم في مجلس نواب الشعب في نسخته السابقة بحضور نواب يمثلون مشهدا سياسيا مخالفا لما هو عليه الحال اليوم، مشهد فيه جزء مساند وبقوة للرئيس وآخر معارض بنفس الشدّة دون ان ننسى بعض الذين أعلنوا المساندة النقدية.

وكما هو معلوم فقد تمت الانتخابات حينها وجلسة القسم وفق مقتضيات دستور 2014 الذي أوجد غرفة واحدة وهي البرلمان، ورسم صلاحيات محدودة لساكن القصبة، وخلق نظاما سياسيا معدّلا وشائكا ومعرّضا للأزمات الداخلية والعطالة بما أننا وجدنا أنفسنا في وقت من الأوقات في صراع بل في حرب مفتوحة بين ما كان يعرف بالرئاسات الثلاث وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة  الحكومة.

المهم يومها ان خطاب رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد الذي أتى على درجة كبيرة من البلاغة والحبكة اللغوية، كان له صدى ايجابي داخل اسوار البرلمان وخارجه حيث ركز على شعارات حملته الانتخابية التي تمايزت عن شعارات خصومه علاوة على حسن استغلاله لمقولة تحدي المنظومة «السيستام»، فبدا بديلا لمن حكم البلاد خلال العشرية الماضية قاطعا معها رغم ولوجه منها الى رئاسة الجمهورية.

ففي خطابه  ذكّر الرئيس  بالثورة وبخصال الشعب التونسي، وتحدث عن التزاماته التي أسماها «أمانات» وقال بوضوح «لا يتسع المقام للحديث عن الأمانات كلها فشعبنا أمانة ودولتنا أمانة وأمننا أمانة وأنات الفقراء والبؤساء أمانة بل إن ابتسامة رضيع في المهد أمانة فلنحمل هذه الأمانات كلها بنفس الصدق والعزم».

ولم يفت رئيس الجمهورية المنتخب أنذاك أن يوجه رسائل الطمأنة للداخل وللخارج على حد سواء، والتذكير بثوابت الشعب التونسي وعلى رأسها انتصاره للحق الفلسطيني والتاكيد على دعمه بشتى الوسائل وفي كل المحافل والمناسبات.

لقد خلق خطاب العام 2019 مناخا من الثقة حتى وان قيل انها كانت في الظاهر فقط حيث سرعان ما برز التدافع بين الرئاسات الثلاث ومن يصطف وراء كل واحدة منها، ولعل مستجدات كثيرة اهمها انتشار جائحة الكوفيد في العالم وفّرت حالة من الهدنة التي سرعان ما توقفت في 25 جويلية 2021 حين قرر رئيس الجمهورية خلق أمر واقع جديد بتفعيل الفصل 80 من الدستور على طريقته والدخول في تمرير ناعم لمشروع سياسي جديد نعيش اليوم مراحله المتقدمة، ومنذ ذلك التاريخ اصبحت صلاحيات ساكن قرطاج جدّ مهمة وبالتالي اصبحت انتظارات التونسيين منه مهمة ايضا.

في هذا الاطار بالذات وبعد انتخابات السادس من اكتوبر 2024 وما حفّ بها وحولها من جدل ونقاش، فان سقف الانتظارات من خطاب القسم الجديد مرتفع للغاية ولن تكون البلاغة والعاطفة والحماسة كافية لطمأنة الداخل والخارج بقدر خطاب الواقعية والوضوح والرسائل الدقيقة التي رشح بعضها على لسان عدد من النشطاء في الحملة الرئاسية وفي مقدمتهم مدير الحملة نفسها نوفل سعيد الذي أكد على ان الاوان حان لتكريس وتنفيذ شعار «البناء والتشييد» وهو الشعار الذي اختاره الرئيس في حملته.

ويدرك الرئيس وأنصاره أنّ الناخب الذي منح صوته لقيس سعيّد ينتظر تحسين حياته اليومية والقضاء على التشغيل الهشّ وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتشجيع الاستثمار وهنا يقول نوفل سعيد في ظهور اعلامي بالاذاعة الوطنية بعد ظهور النتائج أنّ «الرئيس لا عداء له بتاتا مع المبادرة الخاصة هو فقط ضد توظيف مقدرات الدولة لخواص بعينه وللوبيات» وبشرنا بالعمل على رفع العراقيل وتسهيل الإجراءات والتصدي للتشغيل الهش وضمان حقوق العمال..

أما الرسالة الاهم التي وردت على لسان مدير الحملة نوفل سعيد فهي أنّ «التهدئة السياسية مطلب ملحّ ويجب تركيزها وتنفيذها والتوقف عن المناكفات» مع ضرورة الالتفاف على المشروع الوطني الذي يتمثل في «لحظة 25 جويلية» القابلة للتعزيز بمختلف المشارب السياسية فـ«تونس لكل التونسيين مهما كانت أفكارهم مختلفة» حسب تعبيره.

ان خطاب القسم الجديد، خطاب الطمأنة والانفتاح الذي ينتظره الداخل والخارج على حد سواء سيكون تحديا جديدا للرئيس المنتخب لولاية ثانية للبرهنة على ان الجدل الذي رافق الانتخابات والحديث عن الشرعية والمشروعية ليس محظورا بل هو روح الديمقراطية التي يتفق حولها التونسيون رغم اختلافهم في طريقة الوصول اليها والحال ان شروطها واكراهاتها وضماناتها معلومة ولعل أبرزها على الاطلاق السلم الاجتماعي صمام الأمان لتجربتنا التونسية التي صمدت وما تزال في المربع المدني والسلمي رغم كل شيء وهو ما يدركه الجميع ويجب ان يلتزم بالحفاظ عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بعد عقد ونيف : لا مبرّر لبقاء الأملاك المصادرة على حالها..!

تعرّض رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه برئيس الحكومة كمال المدوري يوم الخميس الماضي بقصر…