2024-10-08

الترفيع في الأجر الأدنى في تونس: مجرد أرقام لا تتماشى مع الزيادات المتكررة في الأسعار

تعد مسألة الأجر الأدنى في تونس من أهم القضايا التي تُثار في كل مرة خاصة في ظل المشهد الاقتصادي الحساس  الذي  تشهده البلاد وتدهور المقدرة الشرائية  للأسر التونسية، فرغم الزيادات المتكررة التي عرفها الأجر الأدنى المضمون في السنوات الأخيرة إلا أن تأثير هذه الزيادات على حياة العاملين من الفئات الهشة يظل منعدما في ظل التحديات الاقتصادية والمالية العديدة أهمها التضخم وتدهور قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية مما جعل الترفيع بنسب متواضعة في الأجر الأدنى  مجرد أرقام لا تنعكس تماما على واقع حياة التونسيين و لا يعبر عن تحسن فعلي للقدرة الشرائية.

ولا بد من التذكير بأن الأجر الأدنى في تونس كان سنة 2010 يقدر بحوالي  272 دينار.و منذ ذلك الوقت حاولت الحكومات المتعاقبة ضمن إطار سياسات تهدف إلى الحفاظ على السلم الاجتماعي زيادة هذا الأجر بشكل تدريجي ليصل حاليا إلى 491 دينار.

ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو ظاهريا خطوة إيجابية من اجل تحسين مستوى المعيشة إلا أن الحقيقة في الواقع تُظهر عكس ذلك بل على العكس فمستوى المعيشة قد تراجع بشكل كبير جدا.

تدهور الدينار

وقد ساهم التراجع الحاد لقيمة الدينار أمام العملات الأجنبية خاصة الدولار واليورو في عدم جدوى هذا الارتفاع في الأجر الأدنى حيث شهد الدينار انهيارا متواصلا على مدار السنوات الماضية.

كما ادى انهيار  الدينار إلى زيادة كلفة الاستيراد ما انعكس بشكل مباشر على أسعار العديد من السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والأدوية والطاقة وهو ما أثر مباشرة على القدرة الشرائية لكل الفئات وخاصة العاملين البسطاء.

وقد تراجعت قيمة الدينار بحوالي 50 بالمائة منذ سنة 2010 مما يعني أن الزيادة المعلنة في الأجر الأدنى لا تعني شيئا  في ظل تدهور قيمة الدينار. وقد اثر هذا التراجع بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين خاصة الفئات التي تعتمد بشكل أساسي على الأجر الأدنى.

التضخم الجامح

تصاعدت معدلات التضخم في تونس بشكل ملحوظ، حيث بلغ معدل التضخم في بعض الأشهر أكثر من 10بالمائة, وقد ادى هذا الارتفاع إلى زيادة في أسعار جل السلع والخدمات الأساسية مثل الطعام والنقل والكراء ومستلزمات الدراسة والدواء… ما شكل عبءا ثقيلا على العائلات التونسية ذات الدخل المحدود. ورغم الزيادات التي شهدها الأجر الأدنى، فإن هذه الزيادات لم تكن كافية لتغطية الفجوة الناتجة عن زيادة الأسعار المتسارعة.

وقد ترك الارتفاع المهول  في تكاليف المعيشة الأسر التونسية ذات الدخل المحدود في وضع صعب حيث أصبح توفير الأساسيات يمثل تحديا يوميا حيث تجاوزت نسبة ارتفاع أسعار بعض السلع 100 بالمائة ، فالأجر الأدنى الحالي لا يكفي لمواجهة التكاليف اليومية والشهرية وهو ما دفع بالعديد من الأسر إلى الاعتماد على الاقتراض أو تقليل استهلاكها والتخلي عن بعض المتطلبات الأساسية لتدبير أمورها اليومية.

تغيير السياسات الاجتماعية

ان الفئات التي تعتمد على الأجر الأدنى المضمون هي من أكثر الفئات تعرضا للتحديات الاقتصادية، حيث ان أغلب هؤلاء العمال يعملون في مجالات غير مستقرة، وهي مجالات لا توفر بالضرورة تأمينا صحيا أو اجتماعيا كافيا وبالتالي فإن هؤلاء الأفراد يواجهون تحديات كبيرة في تلبية احتياجاتهم الأساسية أو حتى تأمين مستقبلهم.

وفي ظل هذه الظروف، يجب على السلطات الحالية التي بيدها اتخاذ القرارات إعادة التفكير في سياساتها الاجتماعية والاقتصادية من اجل  توفير حماية أفضل للفئات الهشة. ويجب ان ترتبط زيادة الأجر الأدنى بآليات واضحة للتعويض عن التضخم وتدهور الدينار  كما يجب ان ترتبط بزيادة الاستثمارات في المجالات التي تخلق فرص عمل مستقرة . كما يجب ايضا العمل على تحسين سياسات الدعم وتوجيهه للفئات الأكثر احتياجا بطرق فعالة وعادلة مع ضبط الأسعار ومراقبتها وكبح جماح ارتفاعها الجنوني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لأنها تمييزية وغير قابلة للمراجعة: الائتلاف التونسي لمناهضة الإعدام يطالب بالغاء  هذه العقوبة

جدد الائتلاف التونسي لمناهضة عقوبة الإعدام دعوته السلطات التونسية الى مواصلة التصويت على ق…