2024-10-08

قيس سعيد بين عهدتين.. من «الشعب يريد».. إلى «البناء والتشييد»..! الموجــــود.. والمنشـــــود..!

حسم الرئيس قيس سعيد سباق الرئاسية منذ الدور الأول وبفارق شاسع جدا على منافسيه وذلك بحصوله على ٪90.69 من أصوات الناخبين في حين تحصل العياشي الزمال على ٪7.35 فيما تحصل المغزاوي على ٪1.97 وفي هذه الأرقام دلالات ورسائل في علاقة بالناخبين أولا وفي علاقة بالمشهد السياسي ثانيا وفي علاقة بالنخبة السياسية بشكل عام.

فمن مجموع 2٫808 مليون ناخب يحصد قيس سعيد ٪90.69 من الاصوات وبذلك نجده قد حافظ على خزّانه الانتخابي الذي لم يتبدّل على عكس ما كان يتوقعه خصومه ممّن كانوا يعوّلون على العقلية المزاجية للناخب التونسي والذي يتأثر ـ عادة ـ بطبيعة السياقات المحيطة به سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية فإن كانت هذه السياقات متوترة ومتأزمة فإن ذلك ينعكس مباشرة على قراراته وتَنْتُجُ عن سلوك منفعل ولا تخضع ـ في مثل هذه الاحوال ـ للمنطق بل هي غير عقلانية في أغلب الاحيان.

وما حصل خلال الدور الأول جاء عكس ما توقّعه «الملاحظون» فبرغم السياقات السياسية المتوترة ورغم ما حصل من تعثّرات على طريق المسار الانتخابي ومن تنازع للصلاحيات بين هيئة الانتخابات والمحكمة الادارية ورغم الازمة الاقتصادية والمجتمعية التي تكاد تعلن عن نفسها بوضوح وبقوّة في أسواق العرض والطلب ورغم صعوبة وتأزم المعيش اليومي للتونسيين فإن الناخبين التقليديين لم يخذلوا قيس سعيد الذي حافظ على خزّانه الانتخابي وعلى شعبيته التي حصّلها في انتخابات 2019 وفي ذلك دلالة نُحوصلها في النقاط التالية:
أ

ولا: لقد اتضح بأن التونسيين لا يثقون في نخبهم السياسية أو ما تبقى منها ولا يثقون ـ خاصة ـ في الشخصيات السياسية التي تتقدّم باسم المعارضة وخاصة في هذه المرحلة التي أدرك خلالها التونسيون بان عددا كبيرا من وجوه «العشرية الاخوانية» قد اجتمعت وهي بصدد التهيؤ للعودة الى الحكم وذلك عبر الاطاحة بقيس سعيد وقد احتشدوا وراء منافسيه وخاصة العياشي زمّال ودعوا التونسيين الى انتخابه من أجل «تونس الممكنة» ـ كما جاء في حملاتهم ـ معوّلين في ذلك على «الطبيعة العاطفية» للتونسيين لدعم واسناد العياشي الزمّال في «محنته السجنية» وهو المعطى الذي أكد عليه منافسو قيس سعيد في تقديمهم «للزمال» على أنه «المترشح السجين» الا أن ذلك لم يؤثر على أغلبية الناخبين وخاصة المنتمين التقليديين للخزّان الانتخابي لقيس سعيد الذين احتشدوا وراء «مرشّحهم» وكان لهم الفضل في أن يحصّل هذا الفارق الكبير الذي يفصله عن منافسيه (٪90.69).

ثانيا: لم يكن العياشي زمال كرجل سياسية بالثقل الشعبي الذي يؤهله لمنافسة قيس سعيد بل إنّ أغلبية الناخبين لا يعرفون شيئا عن الرجل ويجهلون ـ تماما ـ سيرته الذاتية ومساره السياسي وقد اكتشفوه وانتبهوا لوجوده بعد التداول الاعلامي المكثف للاحكام الصادرة ضدّه ولتنقله من سجن الى سجن وهي كما أشرنا المعطيات التي لم تؤثر على الناخبين ولم تجلب «للسجين» تعاطفا خاصّا يؤهله ـ على الأقل ـ لمنافسة حقيقية مع قيس سعيد وتمر به الى الدور الثاني.

ثالثا: الارقام التي تحصل عليها كل من العياشي الزمّال (٪7.35) والمغزاوي (٪1.97) ومشاركة 2،7 مليون تونسي في الانتخابات تؤكد حقيقة لا غبار عليها وهي ان الناخبين لم يستجيبوا لدعوات المقاطعة التي دعت اليها بعض الجمعيات والاحزاب السياسية وعدد من الشخصيات من اليمين الديني ومن اليسار الراديكالي وفي ذلك أيضا تأكيد على أن التونسيين لا يثقون في نخبهم السياسية وخاصة الذين سبق أن جربوهم في الحكم وخابوا.

رابعا: عملية التحشيد والتعبئة التي دعت اليها بعض الاحزاب والشخصيات السياسية كانت عملية بلا «هوية سياسية» واضحة وقد اشتبك فيها «اليمين باليسار» حيث تمّت الدعوة خلال المسيرات «المشتركة» التي سبقت الانتخابات الى الوقوف وراء «المترشح السجين» العياشي زمال وأعلنته مرشحها الوحيد وبديلا عن قيس سعيد وقد كان لهذه الدعوات ولهذا التحشيد نتائج عكسية أضرّت بالمترشح العياشي زمال خاصة بعدما كشفت قيادات وقواعد من حركة النهضة عن دعمها له وعزمها على اسناده بقوّة وهو ما نفّر الناخبين التونسيين من المترشح العياشي زمال خشية ان يكون «الجسر» الذي سيعيد الاخوان الى الحياة السياسية في حال وصوله الى قرطاج… لذلك لم تشفع له «محنته السجنية» ولم تجلب له أي شكل من أشكال التعاطف «يوم الاقتراع» فغموض «هويته السياسية» واللبس الذي رافق عملية تحشيد الناخبين من ورائه كلّها معطيات ساهمت في هذا النفور من حوله.. أمّا عن المغزاوي فإن مساره السياسي ومواقفه المتردّدة ومساندته المطلقة لقيس سعيد منذ أطلق مسار 25 جويلية ثم تردّده على «أبواب المسار» ونفوره منه زائد تواضع ظهوره الاعلامي خلال الحملة الانتخابية كلّها معطيات لا تؤهّله لغير النسبة التي حصّلها أي ٪1.97 ولا يمكنه ان يتجاوزها في كل الاحوال…

خلاصة القول لقد اتضح أن التونسيين لا يثقون في نخبهم السياسية و«عشرية الخراب» التي ذاقوا خلالها الامرين على يد الاخوان ما تزال تشوّهاتها عميقة وراسخة بذاكرتهم لذلك عافوا وجودهم وتقيؤوهم تماما وأغلقوا أمامهم كل منافذ العودة الى المشهد السياسي حتى وإن كان هذا المنفذ «عين ابرة» وبالتالي فإن أي رائحة تدل عليهم سيتم «كنسها» حتى لا تغمر المكان و«العيّاشي زمال» سقط سقطة مدويّة بسبب هذه الرائحة.

هذه عهدة ثانية يُحظى بها الرئيس قيس سعيد ويضعها تحت عنوان «البناء والتشييد» بعد عهدة أولى كانت تحت عنوان «الشعب يريد» تم خلالها تأصيل كيان «دولة الرئيس» مع احاطتها بتشريعات جديدة ودستور وضع بين يديه كل السلطات بما يؤهله للذهاب عميقا في بناء تونس الجديدة كما يشتهي ان يراها مواطنوها…
لقد خاض الرئيس كل المعارك خلال العهدة الأولى ضدّ الفساد ولوبياته وضدّ الادارة العميقة وضد الانتهازية والمحسوبية وتوغّل عميقا في الطريق التي اختارها وهي طريق صعبة ووعرة اختار السير عليها وحيدا أي بمعزل عن احزاب الانتهازية والمنظمات التي كانت سببا في تدمير البلاد على امتداد العشرية الماضية وسببا في كل الخيبات التي عاشها التونسيون وأسقط منظومة الاخوان يوم 25 جويلية 2022 واطلق مسارا سياسيا أجرى خلاله ما أجرى من تدابير استثنائية وصنع بذلك «المحتوى» الذي أراده للبلد وما تزال للمسار وعود ونوايا وما تزال تونس في حاجة الى «حرب تغيير» حقيقية والى معارك بناء وتشييد من أجل هذا البلد…

عهدة ثانية هي امتداد للأولى ـ بالضرورة ـ فبعد معركة «تأصيل الكيان» آن الأوان لمعركة «تحرير هذا الكيان» من تشوّهات الطريق…
فلتكن «العهدة»… عهدة «بناء وتشييد» فعلي وحقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…