الانتقال الرقمي في المعاملات الادارية: ليس رفاها .. بل ضرورة تفرضها التغيرات العالمية
في عالم يشهد تطورا رقميا واضحا وتزايد الاعتماد على التقنيات الحديثة في جل مستويات الحياة، مازالت الإدارة في تونس تعتمد بشكل كبير على استعمال الورق في تسيير مختلف الاجراءات. ولا شك ان هذا التمسك بالطريقة التقليدية يضع تونس في موقف حرج مقارنة بالدول التي قطعت أشواطا كبيرة في الانتقال نحو الإدارة الرقمية خاصة وان الإبقاء على الورق كوسيلة رئيسية لإدارة الأعمال له تأثيراته على الاقتصاد وربح الوقت وعلى المواطن والموظف دون شك.
يتمثل أحد الجوانب السلبية الرئيسية لاستعمال الورق في الإدارة التونسية في التكاليف المالية المرتبطة بطباعة الوثائق والأرشفة التي تشمل شراء الورق و الحبر والصيانة الدورية للأجهزة المرتبطة بالطباعة.
وحسب بعض التقديرات تُنفق الإدارات التونسية مبالغ طائلة سنويا على هذه العملية التي يمكن الاستغناء عنها عبر تبني الحلول الرقمية.
ومع انخفاض الموارد المالية المتاحة للدولة فإن استمرار هذه النفقات يُعتبر بمثابة هدر للموارد يمكن توجيهها إلى مشاريع ذات جدوى أكبر في مجالات البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.
اضافة إلى ذلك يُهدر الوقت بشكل كبير في التعامل مع الوثائق الورقية سواء من حيث البحث عنها أو مراجعتها وتصحيحها فالموظفون يقضون ساعات طويلة في ترتيب الوثائق وكل العمليات التابعة لها ، وهذا يؤخر استكمال المعاملات الإدارية التي يمكن إنجازها في ثوان إذا تبنت الإدارة في بلادنا النظام الرقمي، ونلاحظ ذلك حتى في المعاملات الداخلية بين الموظفين في كل المؤسسات العمومية. كما ان وقت المواطن التونسي يُهدَر حين يضطر للانتظار في الطوابير لتسلم وثيقة أو توقيع معاملة إدارية ويعود يوما آخر لاستلام بعض الوثائق التي لا تستكمل في يوم واحد علاوة على ذلك يشكل الاستخدام المفرط للورق تهديدا للبيئة، وفي ظل الوعي العالمي المتزايد بأهمية الحفاظ على البيئة والتوجه نحو حلول مستدامة، يجب على تونس أن تتبنى سياسات تهدف إلى تقليل الاعتماد على الورق واستخدام حلول صديقة للبيئة مثل التحول الرقمي.
البلدان المتقدمة اليوم تعمل بجد للحد من انبعاثات الكربون والاعتماد على المواد البيئية في حين أن اعتماد الإدارة الورقية يتسبب في تعميق الأزمة البيئية في تونس.
ان التحول إلى المنظومة الرقمية لا يعتبر دربا من دروب الرفاهية في الوقت الراهن بل هو ضرورة تفرضها التغيرات العالمية، فالعديد من الدول استطاعت الانتقال من الإدارة الورقية إلى الإدارة الرقمية بفعالية وسرعة حيث باتت اغلب الخدمات تُقدم عبر الانترنات ، بدءا بالخدمات التعليمية والمعاملات المصرفية والخدمات البلدية وغيرها من المعاملات اليومية التي تمكن المواطن من الحصول على جل الوثائق والمعاملات بنقرة واحدة، وهو ما يساهم في تسهيل الحياة اليومية للمواطنين وتوفير الوقت والمال.
إضافة إلى ذلك يساعد هذا الانتقال في الحد من الفساد الإداري والبيروقراطية، وهو تحد كبير يواجه أيضًا الإدارة التونسية التي تُتَّهَمُ بشكل مستمر بالفساد.
الانعكاسات الإيجابية للإدارة الرقمية
لن يساهم التحول نحو الإدارة الرقمية في تقليص التكلفة المالية وتقليل البيروقراطية فقط بل سيعزز الشفافية والكفاءة داخل الإدارة التونسية.
فعندما تصبح الوثائق والمعاملات متاحة بشكل إلكتروني، يصبح من الصعب جدًا التلاعب بها مما يقلل من الفساد ويزيد من ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية. كما أن الرقمنة ستسمح للمؤسسات بالتكيف بسرعة مع متطلبات المواطنين والمستثمرين، مما يعزز بيئة الأعمال ويساهم في تحسين تصنيف تونس ضمن مؤشرات التنافسية الدولية.
اخيرا، نؤكد ان مواصلة الإدارة في تونس اعتماد الورق في ظل التطور الرقمي العالمي يعد انعكاسا لتأخر واضح في مسار التحديث والتطوير، فتبني الإدارة الرقمية لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة ملحة تفرضها المتغيرات العالمية والتحديات المحلية على حد سواء. ومن الضروري أن تنطلق تونس في اتخاذ خطوات جدية نحو الرقمنة مستفيدة من تجارب الدول التي قطعت أشواطًا كبيرة في هذا المجال.
ان التحول الرقمي ليس فقط حلا لتحسين الأداء الإداري بل هو استثمار في مستقبل تونس ومستقبل أجيالها القادمة.
رئيس الجمهورية يدعو إلى إزالة العقبات القانونية : بارقة أمل إذا تُرجمت إلى إجراءات عملية..!
في لقائه برئيس الحكومة كمال المدّوري ، دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى ضرورة ازالة كل العق…