فسحة في أعمال و تجربة الفنانة التشكيلية شيراز بلفقيه : أجد ذاتي التي تشبهني و تقودني الى الأسلوب و الأشكال و الألوان
الفن مجال حلم و سفر حيث الكائن في بحث عن ذاته الموزعة بين تلوينات شتى في دروب اليومي و ما يرافقها من شغف و حنين و تأمل.. شغف مقيم بالدواخل مفعم بالرغبة الجامحة لفهم ما يتشكل بالكينونة في صلتها بالعناصر و الأشياء و التفاصيل و حنين جارف تجاه الالماعات الحافة بالذات في سيرتها منذ طفولة ما تزال تغذي الذات و الروح بالبريء من الأشياء و الأفعال وفق حالة من شاعرية النظر و التقبل..و التأمل بما يعنيه من وعي حارق ثاقب أمام ما يعتري الكائن من أحداث و أفعال تستوجب جميعها الخلاصة فهما و قراءة و ترجمانا..
الفن في حيز منه هو هذا الترجمان المعبر عن اعتمالات الدواخل القائلة بتلك الكيمياء لعناصر البهجة والانكسار و الأمل و الرغبات..انها عوالم الذات الفنانة و هي ترنو الى الذهاب بعيدا في كنه الواقع و جوهر تفاصيله و تبدلاته ..ثمة تفاعلات بين هذه الذات التواقة للابداع و التعبير و الافصاح عن الكنه و عنفوان حالاته و كل ما هو موضوعي مهم و غير مهم و فاعل و هامشي و مهمل ..انها لعبة الفكرة و الرؤية الفنية تمضي بالذات الفنانة و الحالمة الى مناطق مختلفة في هذا العالم قولا بالقيمة و السؤال..
من هذا الكون الفني نمضي الى مجال فني تشكيلي تشتغل ضمنه ذات مضت في رحلة الفن بكثير من الحرقة و البهجة و الأمل و لا يعنيها بالنهاية في كل ذلك غير القول بالكينونة و أحوالها و رغباتها في لعب مفتوح مع الأشكال و الألوان مثل أطفال في مرح مفتوح لا يضاهى في براءته و تلقائية أدواته و أمكنته و تلويناته..
الفنانة التشكيلية شيراز بلفقيه تتعاطى ومنذ سنوات مع هذه اللعبة الفنية وفق رؤيتها القائلة بنبل الفن و شدة تعبيريته و بما يعبر عنه من آمال و هواجس و باعتباره حالة جمالية ووجدانية و انسانية للتعافي و العلاج من أدران و سلبيات الواقع و خسارات و انكسارات كائناته .. و في هذا السياق تقول الفنانة شيراز “… الفن هو أيضًا حياة، لأن الحياة بذاتها عمل فني، سواء كانت حياة الطبيعة أو غيرها..هي بلا شك أجمل الأعمال الفنية.و في الجانب الفني أجد ذاتي التي تشبهني و تقودني الى الأسلوب و الأشكال و الألوان و العنوان العام للعمل الفني ، أستخدم الأكريليك والحبر الهندي وقلم الرصاص الزيتي، لكنني أحاول الابتكار من خلال الكولاج والنقوش والهياكل. لقد فسح ظلام العصر المجال للون، وهو مجال للتغيير الشخصي.. أصف رسوماتي بأنها فن تجريدي ساذج معاصر، الأشخاص و الوجوه في لوحاتي يروون قصة ويطرحون أسئلة حول العالم من حولهم، حول البيئة، و هذا الفضول سيجعل الذات الرسامة و المتقبل للعمل الفني في نماء و ارتقاء و هذه الخلاصة و المقصود في فني …إنها رؤيتي للسعادة…”.
و عن البدايات فان الفنانة شيراز بلفقيه ولدت في بيئة مثقفة من الجد الى الأب و الأم و بقية الأفراد بين الشعر و حب السينما و تقول في هذا الجانب “ ..والدي كان يأخذنا الى قاعات السينما و كان عمري خمس سنوات و الى متحف اللوفر حين سافرنا .
فالثقافة موجودة في تقاليدنا و أخي الأصغر كان يرسم و حتى أطفالنا كان لهم ميل للرسم و التلوين و والدتي تونسية أصيلة و لها بعض لوحات و أعمال الفنان الراحل عبد العزيز القرجي …هذه أجواؤنا التي كبرنا ضمنها و بها ..أنا درست بباريس و قد تعددت معارفي و تعلمت أشياء كثيرة ثم عملت بـ “ قناة + “ و انسحبت بعد ذلك و خلال 32 سنة “ أغلقت الباب على نفسي “ و في هذه العزلة و الانكفاء فهمت و تعلمت الكثير وصولا الى فترة الكوفيد19 فاضت ذاتي بهذا الزاد الكبير و استلهمت من أعماق التجربة و الانسان و سعدت بكون الرسم و الفن من الأهمية في خصوص التشافي و تعافي الذات التي مرت بظروف صعبة و قاسية و عصيبة و كانت سعادتي عارمة و فائقة حين لمست تقبل الناس لأعمالي الفنية و لوحاتي و هذا مهم في حياتي الفنية و العادية الانسانية ..أشعر بالطمأنينة و الأريحية حين أرسم بل انني وجدت في الرسم ما بحثت عنه من زمان ..استيقظت الطفلة بداخلي و صارت ترسم و كأنها توزع الحلوى على العابرين و صار حلمها تحويل العالم الى علبة تلوين..عشت تصدعات كثيرة في حياتي و لكن الفن رمم كل ذلك و أخذني الى الفرح و السعادة …أنا لا أخطط لأعمالي ..أقف قدام اللوحة لأنطلق في حالة من الارتجال و الانتشاء و الرغبات تجاه الرسم و التلوين و في داخلي فرح و ذاكرة حية تشتغل لتدعو العمل الفني في هيئته الأخيرة و أتأمل القماشة و العمل الفني لتغمرني تلك السعادة التي لا تضاهى و خاصة مع حب الناظرين تجاه أعمالي المنجزة و خاصة في المعارض ..خلال الانجاز أترك العنان للخيال يفعل فعله العميق في العمل الفني ..انها لعبتي المفضلة و أنا أرسم في حالة من الأسر لخيالي و حساسيتي المفرطة ..انني أرسم لتجسيد السعادة و الفرح ..و هذا يعني لي الكثير…تجريدية و حلم و طفولة و تلقائية بداخلي و حالة من الاستمتاع بالفن تقودني الى ضفاف شتى من السلام و الهدوء و التماهي مع ذاتي في أعماقها …لقد عوض لي ربي ما ضاع مني و افتقدته خلال كل تلك السنوات الصعبة..قادني الفن الى عنواني الصحيح في زحمة العناوين …معارضي متعددة بتونس و خارجها بالرواق بسوسة و مع سالمة بن عائشة في السمبوزيوم الدولي و في معرض “ بريفاس “ و في تظاهرة كبرى بسيدي بوسعيد ..بعض أعمالي بيعت بباريس و بالولايات المتحدة الأمريكية ..تعجبني تجربتي الفنانين العالميين كاندنسكي و دافنتشي ..أنا سعيدة بمواصلة تجربتي و أحلم بالاقامة بمكان في القفار بشكل تلقائي و طبيعي و أرسم ..حلمي هذا هو الاقامة المتفرغة للفن بمدينة ميامي ..لا أرجو شيئا في هذا الروتين الانساني غير العمل الفني و تلقي الناس لأعمالي…تلك سعادة فارقة…”.
هكذا هي الفنانة التشكيلية في هذا السفر الفني وفق تنوع جمالي تخيرته فمن لوحة الى أخرى تلمس شيئا من ذات الفنانة و حلمها و سعادتها المستمدة من طفولة قديمة ما تزال تقيم فيها تبرز في الألوان و الأشكال و الأسلوب الفني المعتمد ..فنانة و رحلة بها الكثير من الرغبات و الحب و الحلم.
في الدورة الثانیة لملتقى عبدالرزاق حمّودة الدولي للفنون التشكيلية «واحـــــــــــــــــــــة فن وبــــــحر»
تشهد مدينة قابس للفترة من 26 أكتوبر الى غاية يوم 03نوفمبر 2024 فعاليات الدورة الثانية لمل…