هل نحتاج الى ان نذكّر المواطنين بأن الانتخاب حق وواجب في الآن ذاته؟ وهل يحتاج بعضنا الى ان ننبهه من مغبة الانسياق وراء بعض الأصوات المحرّضة ضد الانتخابات لغاية في نفس يعقوب؟
هذه الأسئلة تستمد وجاهتها مما يحدث هذه الأيام ونحن نعيش على إيقاع استحقاق انتخابي مهم ومفصلي مع بروز أصوات منادية بمقاطعة الانتخابات. ولهذا كان لزاما أن نتساءل بشكل انكاري عن مدى ضرورة تذكير المواطنين بأهمية مشاركتهم في عملية التصويت واختيار من سيكون رئيسهم للمدة الرئاسية القادمة على أساس انهم يمارسون حقا اصيلا من حقوق المواطنة وواجب أيضا.
ومن المهم التأكيد على ان تغيير وجه بلادنا نحو الأفضل يبدأ من الإقبال على صناديق الاقتراع واختيار من يراه المواطنون مناسبا للقطع مع كل مظاهر الفساد والوهن والضعف الذي عرفته تونس في مرحلة الانتقال الصعب. وهو فرصة ليصوّت التونسيون من اجل استعادة وجه بلدهم المشرق وأن يثبتوا انهم سادة قرارهم ويستحقون كل التضحيات التي بذلت.
نقول هذا بعد ان ارتفعت بعض الأصوات المشككة في الانتخابات وعلى اثر دعوة بعض الأحزاب الى المقاطعة ومع حملات منظمة تهدف الى توجيه الرأي العام التونسي والتأثير على قراره واختياره في ظل مرحلة دقيقة تمر بها البلاد ولم تعد تحتمل مزيدا من التجاذب والصراع.
وعلى هذا الأساس يأتي التحفيز من اجل التوجه الى صناديق الاقتراع بأعداد غفيرة من اجل بداية مرحلة جديدة.
هنا قد يقول قائل إن التونسيين ضجروا من السياسة فقد توجهوا الى صناديق الاقتراع طوال عقد وبضع سنوات عديد المرات سواء لانتخاب المجلس التأسيسي في المرة الأولى او لخوض انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية. وكانوا في كل مرة حاملين انتظارات كبرى ومراهنين على وعود انتخابية شاهقة لكن أحلامهم كانت تؤجّل في كل مرة ومع كل استحقاق جديد كان الخذلان والخيبة في انتظارهم حتى دبّ اليأس في النفوس وبدأ التونسي ينأى عن السياسة وهو يرى حكومات متعاقبة لم تفلح في تحقيق مطالبه المشروعة ويرى مشهدا ملمحه العام صراع الديكة تحت قبة البرلمان ومحاصصات حزبية قوامها اقتسام كعكة السلطة وملذاتها ومباهجها في ظل نظام سياسي هجين استمد من بعض التجارب في دول بعينها قامت السياسة فيها على أساس طائفي ومذهبي ولا مجال هنا للخوض في هذه التفاصيل.
ولكن صفوة القول إن التونسيين اختاروا العزوف عن الشأن العام منذ فترة وهو الموقف الذي ردّوا به على تهاون السياسيين وعدم اشباع انتظاراتهم وعدم تحقق الشعارات المركزية للثورة.
والحقيقة ان الانتخابات المنتظرة يوم الأحد 6 أكتوبر الجاري تأتي في مرحلة دقيقة سواء على المستوى الوطني او حتى الإقليمي وتأتي بعض مخاض عسير من الانتقال السياسي الذي عرفت خلاله الدولة وهنا غير مسبوق. وتونس قطعا في حاجة الى الاستقرار والهدوء من اجل مباشرة عملية بناء جديدة خاصة بعد الخراب الذي تراكم في كل المجالات وبعد تركة ثقيلة عمرها عقد من الارتباك والتراجع في قطاعات كثيرة وانتشار الفساد والمحسوبية وهو ما عمّق الأزمة الاقتصادية وقاد بشكل مباشر الى تشابكها مع توترات اجتماعية انفجرت في شكل انتشار العنف والجريمة المنظمة ومافيا المخدرات والهجرة السرية وغيرها من القضايا التي نعيش على وقعها منذ ما يزيد عن العقد من الزمن.
هنا من المفيد ان نذكّر ان تونس عاشت منذ وقائع 14 جانفي 2011 تحولات كبرى جعلتها تدخل تجربة سياسية مغايرة بعد عقود من الحكم التسلطي سواء بالنسبة الى زمن بورقيبة او مرحلة بن علي ولكن الانتقال الديمقراطي شابته الكثير من الشوائب خاصة مع الانخراط المطلق في الشأن السياسي والانغماس بشكل كلي في التجاذبات السياسية للفاعلين في المشهد وذلك على حساب الاقتصاد والمجتمع.
مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها : ..والعدل أساس العمران..
هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران» للت…