لم تكن حرب الابادة في غزة سوى مقدمة أولى لحرب شاملة تعمل دولة الاحتلال على استدراج ايران للوقوع في جحيمها فأطلقت من أجل تحقيق هذا «الفخ» سلسلة اغتيالات استفزازية لقيادات من الصف الاول للمقاومة من مختلف الساحات بدأت بفؤاد شكر قيادي من حزب الله ثم ضربة استفزازية كبرى ومدوية على الاراضي الايرانية وذلك باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية ثم و«بالتوقيت الاجرامي» للكيان الصهيوني وفي المكان والزمان المحددين وبعد عملية اختراق استخباراتي عميق تغتال دولة الاحتلال الحليف الأكبر لايران في المنطقة الامين العام لحزب الله حسن نصر الله…

الغضب الايراني لم يتجاوز عشرات الصواريخ والتي تم توجيهها أول أمس في اتجاه الأراضي المحتلة وأي خطوة عسكرية ايرانية بعد ذلك تعني «تدميرا شاملا» لايران والتي تدرك «الجحيم» التي ينتظرها لو أقدمت على «مغامرة عسكرية ثقيلة» فأمريكا وحلفاؤها لن يفوتوا الفرصة «لانهاء الملف الايراني» وانظروا حجم الادانة الاوروبية لايران بعد «قصفها الصاروخي» للكيان ولم تتجاوز أضراره بعض الحرائق الصغيرة… وعليه فإن القيادة السياسية الايرانية والعسكرية تدرك عميقا أنها ـ وفي حال تحركت بثقل عسكري كبير تجاه الكيان ـ فإن الجمهورية الاسلامية لن تنجو من المصير الذي عرفه العراق ما بعد تدميره على يد التحالف الدولي الامريكي الاوروبي وهو ما يفسّر استمرار جيش الاحتلال في تماديه وفي استعصائه وقد انفرد بالمنطقة وبشعوبها فدمّر غزة وأهلك زرعها وذرعها وخصبها بحيث تحولت الى جحيم أرضي ثم اجتاح لبنان من جنوبه في اتجاه بيروت ـ ربما ـ ثم ضرب سوريا في العمق لاغلاق منافذ تسرب الاسلحة في اتجاه المقاومة وهو يعمل على تجفيف كل المنافذ التي تتسرب منها الاسلحة وخاصة المنفذين السوري والعراقي ثم قصف الحوثيين في ديارهم حتى يكفّوا عن «حك ظهر» الكيان…

وبين هذا وذاك يطلق عمليات اغتيال لقيادات سياسية أو عسكرية من مختلف ساحات المقاومة…

لقد اختار الكيان الصهيوني الحرب وأعلنها بوضوح ووضع بذلك حمولة ثقيلة من الألغام على امتداد الطرقات المؤدية الى السلام…

لا سلام ولا كلام ولا مفاوضات ودولة الاحتلال تدرك جيدا «خارطة الطريق» التي ستؤدي بها الى الاستحواذ الكامل والمباشر على المنطقة وقد أطلقت بالفعل عملية «كنس» من أجل تحقيق هذا المقصد تحت الرعاية الامريكية المباشرة ـ عدّة وعتادا ـ في انتهاك صارخ للقانون الدولي وللمواثيق الدولية…

في البدء وقبل اعلان الحرب بوضوح اختارت دولة الاحتلال ـ أولا ـ المقدمات اللازمة لترهيب سكان الأرض الاصليين وأهلنا في فلسطين وفي غزة الارض التي سحقها جيش الاحتلال وأباد شعبها في أكبر وأبشع مجزرة في تاريخ الانسانية تحت عنوان «الدفاع عن النفس» وذلك بعد عملية «طوفان الاقصى» بتاريخ 7 أكتوبر 2023 وقد وجدت دولة الاحتلال الطريق سالكة أمامها لتمضي عميقا الى حضيض التاريخ على مرمى ومسمع المنظمات الدولية لحقوق الانسان والمنظمات الاممية بكل أجهزتها ثم تمادت معوّلة في ذلك على «الصمت العربي» الذي تقوده دول الخذلان والتطبيع وهي سبب بلاء هذه الامّة ونكبتها زائد تواطؤ «الديمقراطيات الاوروبية» الراسخة التي لم تتردّد في الوقوف الى جانب الكيان الصهيوني في «محنته» وكلّنا يذكر موقف الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الذي سارع بزيارة الكيان  ومن هناك أعلن عن دعمه لجيش الاحتلال… ولم تكن فرنسا لوحدها من ساند جرائم الاحتلال بل ان الاتحاد الاوروبي برمته قد اختار «الوقوف مع الجريمة»..

لم تكن حرب الابادة على غزة سوى مقدمة أولى لحرب شاملة ستطلقها دولة الاحتلال في المنطقة ولا أحد سيرد عليها… وهنا تكمن «جدّية الوعي» الصهيوني وعمق قراءته للواقع العربي ولطبيعة دول المنطقة… فعلى «خارطة الطريق» حرب لا أحد سيرد عليها… نعم لا أحد سيرد عليها ـ نديا ـ أي وبأكثر وضوح لا أحد سيعلن الحرب على الكيان الصهيوني ولا أحد من دول الجوار سيعلن مساندته العسكرية للبنان بعد اجتياحها… ودولة الاحتلال تدرك ذلك وقد جربته وخبرته ولها ضمانة كاملة من دول التطبيع في منطقتي الشرق الاوسط والخليج اضافة الى ادراكها بأن ايران لن تجرؤ على تحريك دبابة واحدة تجاه اسرائيل والتي تعمل ـ حاليا ـ بكل امكانياتها العسكرية والاستخباراتية للزجّ بايران في هذه الحرب وبالتالي دفعها لأي تدخل عسكري ـ في المنطقة ـ مهما كان حجمه لانهاء «ملف الجمهورية الاسلامية» ولاقتلاع ما تبقى لها من «مخالب» والكيان في انتظار «لحظة التهور» الايراني ولن يحدث كما يتوقعه المتفائلون بحيث لن يتجاوز رشقات صاروخية محددة في التوقيت وفي المكان.

نحن ـ هنا ـ أمام «عربدة كيان» ارهابي أغلق كل الطرق المؤدية للسلام وهو يعمل حاليا بكل أجهزته العسكرية والاستخباراتية لاستدراج ايران الى المحرقة لاقتلاع «الشوكة نهائيا» من «حلق» الشرق الاوسط القديم ولبناء شرق أوسط جديد تحت الرعاية الصهيونية الامريكية بما يعنيه ذلك من تبديل لجغرافيا المنطقة ولسياساتها ولأنظمتها… وقتها سنسمع «الصراخ عاليا»… «لقد أُكِلْنَا يَوْمَ أُكِلَ الثور الابيض…»َ!

لم تنتصر على دولة الاحتلال وجيشُها لم يتراجع بعد «الصواريخ الايرانية» ولم يغادر الأراضي اللبنانية وما يزال جاثما على فلسطين وأهلها وما يزال مستمرا في ابادة السكان الاصليين في غزّة ورغم ذلك خرجت الجماهير أول أمس بعدد من الدول العربية فرحا بالرشقات الصاروخية على الكيان الصهيوني وفي ذلك دلالة عميقة تعكس ثقل هزيمتنا وثقل الاستبداد الذي تعاني منه هذه الجماهير العربية التي خرجت لتفرح بـ«انتصار وهمي» وهي في العمق جماهير معطّلة غير قادرة على الخروج في بلدانها (بلدان التطبيع) ضدّ حكّامها من أجل دعوتهم لانهاء مسار التطبيع مثلا ولقطع امداد الكيان الصهيوني بالغاز والبترول ولطرد سفراء الاحتلال من بلدانهم…

تخرج الشعوب العربية انتصارا للوهم في حين ينام العدو بجوار بيوتهم آمنا غانما وكان قبل ذلك قد توضأ بدمهم الشقيق.. والرشق الصاروخي تجاه الكيان الصهيوني أول أمس كان ضروريا لإيران حتى «تحفظ ماء الوجه» وحتى لا ينفجر في وجهها مواطنوها في الداخل، وكان نتنياهو قد توجّه إليهم قبل ذلك بخطاب تحريضي ضدّ حكّامهم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…