اليوم العالمي للمدرّسين 2024 : المدرّس هو القلب النابض للعقد الاجتماعي الجديد
أقرت اليونسكو منذ سنة 1994 بتوصية مشتركة مع منظمة العمل الدولية تقليدا مهما بالنسبة للتعليم والمتعلمين، تمثل في سن احتفال سنوي بالمدرسين في التعليم المدرسي يوم 5 أكتوبر من كل سنة ، ثم ألحق بهم مدرسو التعليم العالي منذ سنة 1997 ، وانضمت اليونسيف للاحتفال في ما بعد.
وينتظم الاحتفال بهذا اليوم العالمي للمدرسين اعترافا بمنزلتهم في المنظومات التربوية المختلفة رغم مشقة المهنة، وبأهمية الدور الذي يضطلعون به في تعليم الناشئة بكل تفان ونبل . ودأبت اليونسكو على الاحتفال بهذه المناسبة تحت شعار جديد كل سنة ، يكون المرجع بالنسبة للاحتفالات الوطنية بالمدرسين في العالم . ولم تشذ سنة 2024 عن القاعدة فما هي الأهداف التي تسعى اليونسكو لتحقيقها من خلال احتفال هذه السنة ؟
بناء مستقبل التعليم
تعتبر مهنة التدريس مهنة نبيلة ومهمة بين المهن رغم أنها شاقة. ويعمل المدرس من خلالها على نحت شخصية إنسانية وتمكينها من الوسائل التي تساعدها على استيعاب المعرفة وتملكها وإنمائها لتوظيفها في الحياة العملية.
وركزت الاحتفالات السابقة بيوم المدرسين على عدة أنشطة تهم المهنة ، دعت اليونسكو إلى تنفيذها وطنيا ، من بينها التحسيس بأهمية هذه المهنة لاستقطاب مزيد من الشباب إليها وتناولت أيضا أوضاع المدرسين في العالم، والتحديات التي تواجههم، وظروف عملهم، والبنى التحتية المتدنية التي يعملون فيها، وما يبذلونه من جهد مضن لتأدية المهام التي يضطلعون بها وبالجودة المطلوبة، وتناولت أيضا حقوقهم وواجباتهم وتكوينهم … على أساس القاعدة التي تقول : أعطني مدرسا كفءا أعطيك جيلا متميزا .. لذلك يعتبر أحد الباحثين في التربية أن الكفايات الفردية للمدرسين والتي ينقلونها للناشئة هي أساس الكفايات الجماعية المستدامة التي يفرزها المجتمع في المستقبل.
وقد اختار اليونسكو لاحتفالات هذه السنة شعار « تثمين أصوات المدرسين : نحو عقد اجتماعي جديد للتربية» والهدف من هذا الشعار حسب اليونسكو إبراز الدور الرئيس للمدرسين في بناء مستقبل التعليم باعتبارهم هم الذين يكونون مواطن الغد في كل مجتمع، ويعدّونه للعيش والتأقلم في عالم معقد ودائم التغير. وهم الذين يزرعون في الناشئة القيم المجتمعية وخاصة قيمة العمل مما يساعدهم على الالتحاق بالكهول في أحسن صورة . لذلك فتأثير المدرسين على المجتمع قوي ونافذ مما يعني أهمية تشريكهم والأخذ بأفكارهم وتجاربهم عند صياغة السياسات التربوية المستقبلية وعند تحديد آليات اتخاذ القرار . وهذا اعتراف عالمي بأهمية تشريكهم في القرارات التي تهم التربية والتعليم مما يثمن هذه المهنة ويجعلها تفرض مزيدا من الاحترام في المجتمع ويزيد من الاقبال عليها في عصر نلاحظ فيه عزوف الشباب عنها .
المدرس، القلب النابض للعقد
وتحتفل تونس مثل كل دول العالم بهذه الذكرى السنوية ولذلك فنحن مدعوون لمزيد التفكير في أهمية هذه المهنة، وأثرها الواضح على المجتمع ، وإبراز الدور المهم الذي يضطلع به المدرس في المجتمع. وبالإمكان بالمناسبة تنظيم نشاط في كل مدرسة، يثمن عمل المدرسين، ويثني عليهم، ويبرز أهمية دورهم في المجتمع، مع التفكير في تكريم بعض المدرسين في كل مدرسة بالمناسبة بسبب تميزهم في أدائهم وتفانيهم والإشادة بذلك. علما أن هناك عدة جوائز عالمية ووطنية مشهورة في المجال نذكر من أهمها جائزة اليونسكو بالتعاون مع الشيخ حمدان لتنمية قدرات المعلمين وجائزة المعلم التي يمنحها الاتحاد الإفريقي والجائزة الأوروبية للتدريس المبتكر وغيرها …
وفي علاقة بالشعار يهمنا أن نؤكد ضرورة الاستماع إلى أفكار المدرسين وتثمينها. ولا يكون ذلك إلا بتنويع أدوارهم في المدرسة، والابتعاد عن قصر نشاطهم على القسم . فالمدرس مربّ قبل كل شيء لذلك هو قادر إضافة إلى نشاطه البيداغوجي، على تنظيم أنشطة ثقافية وتربوية مختلفة لتلاميذه. وهو قادر على الإصغاء إلى ما يشغل تلاميذه من مشاكل، وتوجيههم نحو المختصين لإيجاد حلول لها. وهو قادر على تنويع مقاربته التعليمية لتطوير مهارات تلاميذه وتدريبهم على المبادرة والإبداع. وهو قادر على تعديل سلوكات تلاميذه والتفاعل معهم بصورة تصلح أخطاءهم السلوكية. وهو قادر على تنمية قدرات المتعلمين الفكرية والثقافية والعلائقية. وغيرها من المهام التي تجعله يستشرف المستقبل وينغمس فيه وهو على علم واطلاع ليس عن جهل . لذلك فتشريكه في كل القرارات التي تهم المدرسة والتحديات التي تواجهها أساسي لنجاح العملية التعليمية التعلّمية.
أما بخصوص العقد الاجتماعي الجديد للتربية كما يطرحه الشعار، فهو منبثق من التصورات الجديدة للتربية والتعليم التي نشرها اليونسكو في تقريره الصادر عن اللجنة الدولية المعنية بمستقبل التربية والتعليم . ويقوم العقد الجديد على ضمان الحق في تعليم جيد مدى الحياة للجميع مما يتطلب تكوين المدرسين في المجال . كما يستند إلى ضرورة تطبيق مبادئ حقوق الإنسان في البرامج الدراسية، وإلى بناء قدرات الأفراد ومن بينهم المدرسين على العمل الجماعي التشاركي، مما يساهم في إرساء تعليم اجتماعي وتعاوني مستدام . ويصبح التدريس وفق هذا العقد نشاطا متفقا عليه بين أفراد المجتمع، يحترم التنوع والاختلاف، ويقوم على مبادئ التعاون والتآزر والتضامن وعلى بناء المهارات والتفكير النقدي والإبداعي وتطوير الكفاءة الرقمية للمدرس والمتعلمين من أجل المصلحة المشتركة ومن أجل تحقيق الاحترافية في التدريس . وهذا يتفق مع مكانة المدرس في العقد الاجتماعي الجديد للتربية والتعليم باعتباره القلب النابض للعقد . فلينجح العقد يتطلب دعم المدرس، وتوفير الظروف الملائمة للنجاح في مهمته، وتطوير كفاياته المهنية بالتكوين والتدريب، والاستماع لرأيه بخصوص السياسات التربوية الوطنية، وبخصوص مستقبل التعليم نحو مسارات قادرة على رفع التحديات المستقبلية المختلفة التي تنتظرنا في مستقبل يكتنفه الغموض بحكم ما ينتظرنا من تطورات تكنولوجية ستغير العالم جذريا في قطاعاته المختلفة .
في الشأن التربوي : حتى نؤسّس لثقافة اللاّعنف في الوسط المدرسي
تنتشر اليوم ظاهرة العنف في الفضاء العام في تونس . ورغم المحاولات المتكررة للتصدي للظاهرة إ…