أحدث مقترح تعديل القانون الانتخابي الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب أمس الجمعة في جلسة عامة استثنائية ما يشبه «الرجّة» داخل المشهد السياسي والذي يشهد ـ بطبيعته ـ توترا يمكن ان نجد له مبررات من داخل السياقات التي تعيشها تونس اليوم وما فيها من رهانات كبرى وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية المقرّرة يوم 6 أكتوبر 2024 ومع اقتراب هذا التاريخ المفصلي فإنه من الطبيعي ـ أيضا ـ ان تتوسع دوائر الجدل والنقاش من حول عروض المترشحين الثلاثة للرئاسية ومن حول برامجهم وشعاراتهم ووعودهم والتي نجدها ـ في الواقع ـ متشابهة ومتقاطعة بل بنفس الوعود والعناوين أحيانا… وهذا أيضا طبيعي وسليم بما أن ثلاثتهم إنما يتحركون من داخل البيئة الاجتماعية ذاتها ويتوجهون بخطابهم الى كل التونسيين من مختلف الفئات المجتمعية والحساسيات الفكرية وعليه فإنه من الطبيعي ـ كما أشرنا ـ أن يكون «الخطاب أو البيان الانتخابي» للمترشحين الثلاثة متشابها أو متقاطعا وبذات العناوين والوعود ـ أحيانا ـ بما أنه نابع من نفس السياقات المجتمعية بكل قضاياها وبكل اسئلتها…

توسّع دائرة الجدل ترافقت ـ كما أشرنا ـ مع تمرير مشروع تعديل القانون الانتخابي وجاء ـ استعجاليا ـ لفك النزاع بين السلطات القضائية (المحكمة الادارية تحديدا) والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولاعادة توزيع الادوار المخوّلة لكل الاطراف المتدخلة في المسار الانتخابي بحيث يتم وفق القانون المعدّل الذي تمت المصادقة عليه في جلسة أمس الجمعة سحب النزاع الانتخابي من المحكمة الادارية ومحكمة المحاسبات وتحويله الى محكمة الاستئناف بتونس وفي تفسيرها لهذا التعديل ومدى ضرورته تقول لجنة التشريع العام في تقريرها بأن هذا التعديل إنما يقصد ضمان وحدة الاطار القضائي الذي يتعهد بالنظر في النزاعات الانتخابية وهو ما ينهي حالة التشتت الحالية بين ثلاثة نظم قضائية مختلفة… كما يجيء هذا التعديل للقانون الانتخابي بحسب تفسيرات لجنة التشريع العام لينهي حالة التنازع الحادّة بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الادارية في ما يخص قراراتها الاخيرة وخاصة تأكيدها في أحد بياناتها بأنها ستطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية مهما كانت النتيجة ما لم يتم قبول أحد المترشحين ممّن اعادتهم المحكمة للسياق الانتخابي ما اعتبره الملاحظون تهديدا بنسف المسار الانتخابي برمّته بل هو خطر داهم يهدّد أمن البلاد وسلامة مواطنيها…

والواقع وبقطع النظر عن التنازع القانوني والقضائي بين المحكمة الادارية وهيئة الانتخابات من حول الصلاحيات فإن المحكمة الادارية قد أخطأت بخروجها عن واجب التحفظ وباصدارها «بيانات» لم تكن فيها محايدة تماما كما أن المحكمة الادارية مطالبة باصدار القرارات دون التعليق عليها ودون خوض النقاشات من حولها في وسائل الاعلام ودون اصدار بيانات تفسيرية أو بيانات يُفهم منها ـ مسبقا ـ التهديد بالطعن في نتائج الانتخابات.

لقد تم أمس الجمعة وفي جلسة عامة استثنائية مشهودة تمرير القانون الانتخابي معدّلا وكان واضحا من خلال النقاشات الصباحية بأن المشروع سيمر بأغلبية مريحة وكان له ذلك بالفعل ويبقى السؤال في الأخير هل سينتهي الجدل بعد ذلك…؟ هل أن تمرير المشروع والمصادقة عليه سيضع حدّا لكل أشكال التنازع بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الادارية…؟ وما هو موقف المحكمة الادارية من هذا التعديل الذي استبعدها من المسار الانتخابي…؟

على كل حال وحتى لا نساهم في تضخيم الازمة وفي توسيع دائرة الجدل العقيم من حولها فإن القضاء العدلي كما يؤكد المختصون ليس غريبا عن النزاعات الانتخابية وهو الذي ينظر ويبتّ في الجرائم الانتخابية وفي النزاعات المتعلقة بالترسيم في قائمات الناخبين وبالتالي فإن التعديل الذي تم ادخاله على القانون الانتخابي إنما أعاد توزيع الادوار وذلك باسناد نظام الطعون الانتخابية للقضاء العدلي بدلا من القضاء الاداري…

وهنا لا بدّ من التأكيد على مسألة على غاية من الاهمية وهي أن الجدل وما أثاره التعديل للقانون الانتخابي من تحفظات لم تكن في الواقع اعتراضا على التعديل في حدّ ذاته وإنما هو اعتراض حول توقيت هذا التعديل الذي تم اقراره في أوج الحملة الانتخابية وقبل يوم الاقتراع بأيام قليلة… والاجابة ـ هنا ـ تجيء من عند المختصين في القانون الدستوري ممّن لم يروا ضَيْرًا في ذلك ما لم يمس هذا التعديل من الرزنامة الانتخابية.

نشير في الأخير الى ضرورة تعديل الخطاب وفصله لدى السادة أعضاء مجلس نواب الشعب (بعضهم وليس كلّهم) فقد جاء خطابهم أمس الجمعة ضمن أشغال الجلسة العامة تخوينيا لفئة من التونسيين وفيه من التوتر والانفعال ما يدعو حقيقة الى الاستغراب خاصة في هذه الفترة التي تحتاج فيها تونس الى وحدة وطنية صلبة تجمع التونسيين ولا تفرقهم وقد سبق ان نبّهنا الى ضرورة التخلّي عن خطاب الحقد والكراهية والتقسيم خاصة في هذه الفترة من المسار الانتخابي والتي ستشهد مظاهر وممارسات ستسعى كلّها الى تحويل الحالة التونسية الى حالة ملتبسة وذلك بتسريب رمل الشكّ والريبة لارباك هذا الموعد التاريخي الذي سيخوضه التونسيون كحق مواطني من صميم الادبيات الديمقراطية…

وبالتالي فإنه على السادة النواب وكل المشتغلين بالسياسة سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة العمل على التخفيف من «حمولة الخطاب» وبالتالي التخلّي عن كل ما من شأنه إفساد مزاج التونسيين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«قرطاج المسرحية» من التأسيس إلى التأصيل إلى التحديث..!

 تنعقد الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية وسط سياقات دولية ثقيلة على الضمير الان…