في مقاومة الهجرة غير النظامية : تونس تفي بتعهداتها.. والبقيّة؟
تداولت وسائل إعلام محلية وأجنبية محتوى تغريدة لوزير الداخلية الايطالي على منصة «اكس» مفادها ان السلطات التونسية تمكّنت منذ بداية السنة الحالية والى غاية اليوم من منع أكثر من 61 ألف مهاجر غير نظامي من الوصول الى السواحل الأوروبية.
ليس ذلك فحسب، نوّه المسؤول الايطالي بالتزام ما أسماها دول الانطلاق والعبور بمكافحة الهجرة غير النظامية.
في نفس السياق كشف الناشط بالمجتمع المدني والنائب السابق عن التيار الديمقراطي مجدي الكرباعي أن أكثر من 119 ألفا مهاجر غير نظامي وصلوا الى ايطاليا خلال نفس الفترة من السنة الماضية 2023 مقابل 47 ألفا فقط خلال السنة الجارية وهذا يعني أن عدد الواصلين الى سواحل أوروبا الجنوبية انخفض بأكثر من ٪75.
إنّ هذه الأرقام والمؤشرات جيّدة في مجملها فهي تعكس حقيقة أن مقاومة الهجرة غير النظامية تسير ولو ببطء ومن جانب واحد، وان بلادنا كعادتها أكثر حرصا على الوفاء بتعهداتها في الوقت الذي تتعرض فيه الى شتى أنواع الابتزاز والمقايضة.
وحسب احصائيات رسمية لوزير الداخلية السابق ولنشطاء في المجتمع المدني فإن عدد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في كامل تونس يحوم حول المائة ألف، وبحكم اننا لا نمتلك حدودا مشتركة مع دول هؤلاء المهاجرين فان تدفّقهم هو للأسف بسبب سلوك الأشقاء في الجوار وفتحهم لحدودهم معنا وغض الطرف عن عمليات تهريب البشر والاتجار بهم.
وليس خافيا على أحد ان أعداد المهاجرين الافارقة غير النظاميين وبقاءهم في حالة عطالة، يشكّل عبءا ليس على الاقتصاد التونسي فحسب ولكن على المجتمع بشكل أعمق خصوصا جراء تواجدهم في العراء أو في أملاك وعقارات وأراض تعود للتونسيين ويتمّ استغلالها بشكل تعسفي كما نلاحظ ذلك في قرى جبنيانة والعامرة بجهة صفاقس مع الإشارة ايضا الى أننا نحن الذين تواطأ بعضنا وعمد الى تشغيلهم خلسة واستغلالهم بطرق غير قانونية وغير إنسانية في ورش البناء وحقول الزيتون وفي البيوت والمغازات والمطاعم ومحطات البنزين وغيرها..
ويحسب للمجتمع المدني التونسي أنه لم يدّخر جهدا في إغاثة المهاجرين غير النظاميين ومدّهم بما أمكن من المساعدات والمرافقة الانسانية والقانونية، في الوقت الذي شحّت فيه مبادرات المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية بما فيها تلك التي تحدّد أسماؤها مسؤوليتها في نجدة بني البشر عندما يكونون في أوضاع خاصة ونشير هنا بشكل خاص الى وكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني في الضفة الشمالية للمتوسط وأساسا ايطاليا المعنية مباشرة بالموضوع معنا.
ولا يمكن هنا أيضا عدم التنويه بجهود مؤسستينا الأمنية والعسكرية وأجهزة الدولة التي تميز أداؤها باليقظة والجدية واحترام الأعراف والأخلاق والمبادئ القانونية والالتزام خاصة ببنود الاتفاقيات المبرمة بين تونس وشركائها في أوروبا.
إننا نشير هنا الى مذكرة التفاهم التي وقّعتها بلادنا مع الاتحاد الاوروبي في صائفة 2023 والى البروتوكول التنفيذي الذي وقعته مع ايطاليا في مارس 2024 والذي تضمن في طيات بنوده فتح أبواب الهجرة الآمنة والنظامية والمنظمة مقابل الحدّ من تفشي ظاهرة الهجرة غير النظامية مع ضمان حقوق المهاجرين في عمل لائق وأجر عادل فأين نحن من التزام شركائنا بهذه البنود؟.
لقد تنفست ايطاليا الصعداء من أزمتها السياسية الداخلية ومع جوارها الأوروبي بفضل ما غنمته من هذه التوافقات المتصلة بالهجرة غير النظامية في البحر الابيض المتوسط، لكن العبء ما يزال يثقل كاهلنا، صحيح أن عدد المهاجرين غير النظاميين قد تقلص هذا العام لكن كلفة المقيمين عندنا وكلفة تأطيرهم وحمايتهم ومنعهم من إلقاء أنفسهم في البحر ونجدتهم عرض هذا البحر والتصدي للمجرمين الذين يرتّبون عملية الهجرة غير النظامية في الداخل والخارج، تلقي بظلالها على أمننا وأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية وتخلق لنا تحدّيا مضاعفا.
وهنا تطرح مسألة أخرى لا تقل أهمية، تعود بنا الى جوهر المبادرة التونسية قبل سنة ونيف عندما قلنا بشكل رسمي أن مقاربة مقاومة الهجرة غير النظامية لا يمكن ان تقتصر على المعالجة الأمنية وأننا لسنا حراس حدود، ولابد ان تكون المقاربة شاملة تتحمل فيها جميع الأطراف مسؤولياتها وتتقاسم فيه الأعباء.
ومن هذا المنطلق يتساءل المرء عن الاضافة التي يقدمها شركاؤنا وعلى رأسهم ايطاليا لننتصر معا في الحرب على الهجرة غير النظامية وأين هي الاستثمارات والمشاريع، بل ما الذي تغير في طريقة منح تأشيرات دخول التراب الأوروبي؟ إن صورة الطوابير ومعاناة التونسيين للظفر بموعد لإيداع مطلب تأشيرة نحو أي دولة أوروبية أوشك على أن يصبح أصعب من الوصول الى القمر..!
إننا اليوم مطالبون رسميا وشعبيا واعلاميا ومدنيا وسياسيا بأن نتحرك في اتجاه الحفاظ على مصالح بلادنا والدفاع عنها والتذكير بأن الالتزام بالتعهدات هو التزام جماعي وما تم الاتفاق حوله الى حد الان يجب ان يُنجز بشكل سليم حتى نؤسس لمرحلة قادمة نقيّة تتحقق فيها المصلحة المشتركة للجميع.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…