. هل تستطيع تونس عبر انتمائها لحركة عدم الانحياز أن تؤثر في الأحداث المشتعلة في محيطنا الإقليمي؟ وهل يمكن أن تلعب هذه الحركة دورا يتسق مع تاريخها في تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط بالتحديد؟ وهل نجحت تونس في استعادة إشعاعها الديبلوماسي الذي فقدته منذ الثورة جراء تعاقب حكومات اصطفت خلف أحلاف وأجندات غريبة عن إرث الديبلوماسية في بلادنا؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير تطفو على السطح هذه الأيام ونحن نتابع الأحداث المشتعلة في الشرق الأوسط سواء تعلق الأمر بحرب غزة المتواصلة بلا هوادة منذ السابع من أكتوبر الماضي او العدوان الغاشم الذي يشنه الكيان المحتل على لبنان او حتى بخصوص حالة التوتر وعدم الاستقرار في ليبيا البلد المجاور.
ونحن إذ نطرحها الآن بالذات فإنّنا نراهن على الأدوار الديبلوماسية التي يمكن أن تلعبها بلادنا ومستلهمة من دورها التاريخي في الكثير من الأحداث والمحطات المهمة خاصة من خلال وجودها في صلب حركة عدم الانحياز.
ولعل الاجتماع الوزاري الأخير لحركة عدم الانحياز الذي شارك فيه وزير الخارجية محمد علي النفطي هو العنوان الدال على هذا التمشي. وقد انعقد هذا الاجتماع على هامش أشغال الأسبوع رفيع المستوى للدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وجاءت كلمة تونس واضحة لا لبس فيها مستدعية مبادئ المؤتمر التأسيسي لهذه الحركة وداعية الى إضفاء ديناميكية على عملها و«الارتقاء به الى مستوى تطلعات الشعوب وتدعيم دورها الطلائعي في تكريس مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ووضع حد للنزاعات والمآسي الإنسانية بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار وبناء عالم أكثر توازنا وعدلا امام تفاقم الأزمات المتلاحقة التي عمقتها الصراعات الجيواستراتيجية».
إذن ترنو بلادنا من خلال وجودها في حركة عدم الانحياز الى إعادة الإشعاع إلى هذا التجمع الدولي وخلق ديناميكية على مستوى الأدوار التي تقوم بها في صلب هذا التكتل ومن أهمها دعم حركات التحرر والقضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق أهابت تونس بحركة عدم الانحياز من خلال الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي ان تواصل التحرك والضغط بنفس العزيمة وروح المسؤولية بما يمكن الشعب الفلسطيني من استرداد حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف والتي لن تسقط بالتقادم وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كل الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
وبهذا تكون تونس وفية لمبادئها واصطفافها اللامشروط إلى جانب القضية الفلسطينية والذي تجلى من خلال المواقف الرسمية المعلنة بوضوح منذ اندلاع طوفان الأقصى او من خلال الدعم الشعبي في انسجام تام.
ويعلم القاصي والداني ان بلادنا كانت طوال تاريخها منحازة لكل القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وكانت دوما الملجأ والملاذ للأشقاء الفلسطينيين.
وفي السياق ذاته اختارت الديبلوماسية التونسية منذ دولة الاستقلال أن لا تصطف خلف المحاور وان تحترم الشؤون الداخلية لكل بلد سواء كان شقيقا او صديقا باستثناء طبعا مرحلة الارتباك التي تلت أحداث 14 جانفي 2011 والتي شابتها الكثير من الشوائب والاخطاء والتي يسعى اليوم الديبلوماسيون التونسيون لإصلاحها وعلاج تداعياتها.
يجدر التذكير هنا بأن حركة عدم الانحياز قد نشأت في خضم الحرب الباردة وتأسست رسميا عام 1961 على فكرة مركزية مفادها عدم الانحياز لأي من المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقا. وانحازت لحركات التحرر من ربقة الاستعمار في العالم.
ويضم هذا التكتل الدولي 120 بلد من الدول النامية. وهناك مساع حثيثة اليوم الى ان تستعيد هذه الحركة حضورها الفاعل عالميا بهدف عدم التذيل خلف القوى العظمى خاصة مع تنامي الحروب والنزاعات في العالم.
وإذا كانت هذه الحركة قد ولدت في سياق عالمي يقوم على التوترات الجيوسياسية الكبرى والانقسام العنيف فإن اليوم الوضع اكثر سوءا وبالتالي الحاجة إلى مبادئ مؤتمر «باندونغ» التأسيسي لهذه الحركة تبدو أكثر إلحاحا.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…