متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير من الهياكل المعنية، تفكّر وتتصرف على أساس أننا بلد مكتف مائيا، وعلى اساس أن المياه متوفرة بكميات كبيرة، بل لا يزال الهدر قائما وفي كل المستويات تقريبا، ولا زالت كثير من المصالح والمواطنين أيضا، تستنزف المخزون المائي رغم التحذيرات التي تصدر عن عديد الجهات المختصة، ورغم الوضعية الراهنة للسدود.
ولا شك ان الدولة التونسية اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، مطالبة في أعلى سلطاتها، بأن تأمر باتخاذ الاجراءات الكفيلة بجعل مصالح البلاد وحتى مواطنيها يتصرفون وفق نماذج جديدة، سواء في السقاية او في الفلاحة والصناعة والسياحة، على اساس أننا بلد جاف، وأننا بلد لم تعد التساقطات المطرية تسدّ حاجته، وعلى اساس ان سنوات الرفاه المائي قد انتهت.
صحيح أن السلطات العليا في البلاد لم تعلن حالة الطوارئ المائية، لكن وزارة الفلاحة تحاول بالطرق التقليدية تفادي مزيد من السير السريع نحو العطش، على غرار التوصيات بالتقليل أكثر ما يمكن من زراعة الخضر والغلال التي تتطلب كثيرا من المياه، او بالومضات التوعوية في وسائل الاعلام، وكذلك بمحاولات متعددة للبحث عن مصادر جديدة لسدّ النقص في المياه، لكن كل هذا يبقى في اطار الحلول الظرفية، في حين ان البلاد تتطلب حلولا جذرية تبعد شبح العطش نهائيا، بغضّ النظر عن مواسم الامطار.
ومع ذلك تبرز أحيانا بعض المبادرات الاستشرافية التي لا بد من تشجيعها ومرافقتها والحرص على انجاحها ودعمها، ولما لا تحويلها الى مبادرات وطنية متى ما توفرت فيها الشروط الكافية لتوفير حلول لمعضلة المياه، التي لم تعد أزمة عابرة، بل تحولت الى خطر داهم يهدد مستقبل البلاد والعباد.
من هذه المبادرات مثلا الندوة العلمية التي انعقدت مؤخرا بمقر ديوان تنمية الغابات والمراعي بالشمال الغربي بمدينة باجة، لتقديم “رؤية لنموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه فضلا عن تقديم تأثير تغير المناخ على الخارطة الفلاحية بباجة وعلى قطاع المياه بالجهة”.
هذه الندوة التي انعقدت في اطار فعاليات المعرض الفلاحي بباجة، والتي أشرفت عليها السلطات الجهوية ووزارة الفلاحة، أعلن خلالها الوزير عن “برمجة انجاز 32 سدا تليّا وتثمين المياه غير التقليدية والترفيع في استعمال المياه المعالجة، داعيا الى التفكير فى مسالة الماء قبل التفكير في الربح الاقتصادي والى تكثيف التوعية وإحكام التداول الزراعي والاشتغال على الخارطة الفلاحية وتغييرها بما يتلاءم مع تغيرات المناخ”.
ولعل أهم ما جاء في مداخلة الوزير هو دعوته الى الاشتغال على الخارطة الفلاحية وتغييرها بما يتلاءم مع تغيرات المناخ، لان ذلك هو الحل الذي لا بد من التركيز عليه، رغم ما يعنيه ذلك من صعوبة في تغيير الصبغة الفلاحية لجهات بكاملها، وصعوبة تغيير العقلية والعادات الزراعية، الا ان المناخ هو الذي تغيّر، وهو الذي يحكم علينا اليوم بتغيير النماذج الزراعية التقليدية، والتفكير وفق منظور اننا اصبحنا بلدا جافا ولم نعد بلدا معتدلا أو ممطرا.
عدد من الباحثين من المركز الجهوي للبحوث في الزراعات الكبرى استعرضوا التقنيات الحديثة والممارسات الجيدة فى قطاع الزراعات الكبرى ومنها استعمال التطبيقات الحديثة والذكاء الاصطناعي في اقتصاد الماء، وهو ما من شانه ان يخلق نموذجا علميا يجنب البلاد مزيدا من الخسائر في القطاع، ويخلق أنماطا جديدة من الزراعة تتكيف مع الوضع الجاف الذي أصبح عليه مناخ بلادنا.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …