المجلس الأعلى للتربية يرى النور : نحو إصلاح جذري عميق للمنظومة التربوية
أخيرا تحددت ملامح المجلس الأعلى للتربية بعد صدور مرسوم في الرائد الرسمي في هذا الخصوص والأكيد أن تركيز المجلس سيكون نقلة نوعية في قطاع التربية والتعليم الذي ظل في مهب الريح طوال عقدين من الزمن عشنا خلالها كل أنواع الإشكاليات المتصلة بهذا المجال المهم.
فمن تردي البنية التحتية إلى تفاقم التسرب المدرسي مرورا بتوتر العلاقة بين المربين والتلاميذ وصولا إلى العنف في محيط المدرسة وداخل أسوارها. اما في المجال البيداغوجي فقد تراجعت جودة التعليم في بلادنا وتدحرجنا في الترتيب في بعض التصنيفات العالمية وحدثت حالة فرار كبير من التعليم العمومي إلى التعليم الخاص.
ولكل هذا اقتضى الأمر إيجاد حلول جذرية طال أمد انتظارها وها أن الوقت حان لمباشرة إصلاح عميق وجذري للمنظومة التربوية.
فمنذ ان أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد عن فكرة إنشاء مجلس أعلى للتربية يعكف على تطوير هذا القطاع الحيوي ويقدم استراتيجيات استشرافية لتحسين أداء المنظومة التربوية والكل يتطلع الى هذا «المولود الجديد» ويتساءل متى سيرى النور؟ وهو ما تحقق أخيرا.
ولا شك ان الرهانات اليوم كبيرة على هذا المجلس الذي على عاتقه مهمة تطوير المنظومة التربوية وتحسين جودة التعليم في بلادنا.
وبالنظر الى تركيبة هذا المجلس الأعلى للتربية ،كما جاء في المرسوم عدد 2 لعام 2024 المؤرخ في 16 سبتمبر 2024 ، المنظم لها ندرك أهميته وتفرع اختصاصاته وشموليتها وهي التي تتقاطع في عملها مجموعة من الوزارات هي على التوالي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتشغيل والتكوين والمرأة والطفولة وكبار السن بالإضافة الى الشباب والرياضة والشؤون الثقافية والشؤون الدينية.
وقد جاء في المرسوم المذكور ان المجلس الأعلى للتربية هيئة دستورية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية. ويتولى رئاسته الوزراء المعنيون بالقطاعات المذكورة بالتداول كل ستة اشهر.
هذا ويتولى رئيس الجمهورية بمقتضى أمر دعوة المجلس لعقد جلسته الافتتاحية.
اما بالنسبة الى الهيئة العليا للمجلس فتتركب الى جانب الوزراء المذكورين أعلاه من سبعة أعضاء من ذوي الخبرة والكفاءة في المجالات المتعلقة باختصاص المجلس ورئيس هيئة الخبراء ثم رئيس هيئة التقييم وممثل عن النقابة الأكثر تمثيلا في القطاعات المذكورة في الفصل 3 من المرسوم.
و الملاحظ ان هذه التركيبة المقترحة قد تمت فيها مراعاة التنوع والشمولية والانفتاح على كل الكفاءات والخبرات من اجل أداء ناجز وناجع. فكل الوزارات ذات الصلة من بعيد او من قريب بحقل التربية والتعليم حاضرة بالإضافة الى الخبراء والباحثين الذين لا يمكن الاستغناء عن كفاءاتهم في هذا الخصوص بالإضافة الى الطرف النقابي .
وهكذا تكون تركيبة المجلس غير منقوصة وتستطيع أن تباشر العمل بمنتهى السلاسة والمرونة.
والجدير بالذكر انه منذ ان أعلن عن المجلس الأعلى للتربية لأول مرة كان الاستبشار سيد الموقف سواء في صفوف رجال التربية والتعليم او الاولياء وكل الخبراء والباحثين والمهتمين بالشأن التربوي اجمالا.
وبعد ان اصبح المجلس الآن بمقتضى المرسوم أمرا واقعا فالأكيد ان التحدي الأكبر الذي ترفعه بلادنا في هذه المرحلة هو اعلاء قيمة العلم وإعادة الوهج الى المؤسسة التربوية والى المصعد الاجتماعي الذي تعطل بفعل عدة عوامل كنا قد تطرقنا لها مرارا وتكرارا.
والأكيد ان المنظومة التربوية اليوم تشهد نفسا جديدا انطلق مع بداية السنة الدراسية الجديدة التي تميزت ربما لأول مرة بتوفر الكتاب المدرسي لكل المراحل والمستويات التعليمية بالكميات المطلوبة ومعلوم انه طبع في تونس على عكس فترة سابقة تم اللجوء فيها الى جهات اجنبية لطباعة الكتاب المدرسي التونسي وهي من الهنات التي لا ينبغي ان تتكرر.
ومن قبيل التفاؤل يمكن القول ان التعليم في تونس قد اتخذ منعرجا جديدا نحو الأفضل بالتأكيد من أجل بناء أجيال الغد.
وتونس تخوض غمار مشروعها الجديد مقتضيات السياق الحالي أو لزوم ما يلزم
هل نجانب الصواب اذا قلنا ان تونس تخوض مشروعها الجديد بمنتهى الثبات والجدية ؟ وهل نختلف حول…