2024-09-17

في الشأن التربوي : الكتاب المدرسي الموازي للدعم : نعم ، لكن !

انطلقت سنة دراسية جديدة ، وانطلق معها الجدل حول عديد المسائل المتصلة بالتعليم والتعلّم ومن بينها مسألة انتشار الكتب المدرسية الموازية للدعم وتهافت الأولياء والتلاميذ على اقتنائها. لكن لم يحسم الجدل حول مدى إفادة أو عدم إفادة تلك الكتب لمستعمليها . لذلك سنتناول في هذا المقال هذه المسألة انطلاقا من سبب انتشارها وهل نحافظ عليها أم نمنعها وفي صورة المحافظة كيف نستفيد منها ؟

يعرف الكتاب المدرسي الرسمي لدى الباحثين في علوم التربية على أنه « وسيلة بيداغوجية ورقية للتعلم يعدها مؤلفون رسميون لتحقيق أهداف العملية التعليمية وتصادق عليه الوزارة المعنية بالتربية وهي التي تصدره» . وتندرج هذه الوسيلة ضمن تمش تعليمي تعلَمي محدد مسبقا، وتستجيب لبرنامج دراسي محدد متفق عليه ومصادق عليه من طرف المختصين . ويعتبر الكتاب المدرسي من المدعمات البيداغوجية الأساسية المساعدة على تطبيق البرنامج الرسمي. وهو وسيلة  لدعم مكتسبات التلاميذ وتطوير تعلّماتهم بفضل ما يقدمه لهم من معارف وما يستند عليه من أنشطة وتدريبات . لكن اليوم لم يعد الكتاب المدرسي الرسمي الوسيلة الوحيدة للتعلّم منذ نشطت تجارة الكتاب المدرسي الموازي للدعم في السنوات الماضية، وغزا المكتبات في كل المواد تقريبا وخاصة تلك الكتب التي تلقى رواجا في الدروس الخصوصية ، دون أن ننسى الموارد التعليمية المتوفرة على شبكة الأنترنات والتي لم تلق هي أيضا انتشارا واسعا واستعمالا متواترا. لكن لماذا نشطت تجارة الكتب الموازية ؟

علينا أن نتفق على أن عوامل عدة ساعدت على غزو الكتب الموازية للدعم الأسواق بدرجة حولتها إلى بضاعة الغاية منها التجارة . لكن هذا لا ينفي أن عددا من تلك الكتب مفيد للمتعلم كما للمدرس حسب رأيي وسيتوضح ذلك لاحقا . إن من أهم العوامل التي ساعدت على انتشار هذا النوع من المدعمات التعليمية هو أن الكتاب المدرسي الرسمي يركز على المعارف النظرية بنسبة كبيرة ولا يعطي للتطبيقات والتمارين التي تدرب المتعلم على التمكن من المعارف المدرسية الأهمية القصوي لأنها هي التي ترسخ في ذهن التلميذ المعارف حتى يكتسبها . فالتطبيقات والتمارين والتدريبات التي يعتمد عليها الكتاب المدرسي الرسمي مقتضبة ولا تكفي لتمكن كل التلاميذ من المعارف المدرسية مهما كانت مستوياتهم وقدراتهم الذهنية وملكة الفهم لديهم لأن العدد الأكبر من التلاميذ يحتاج إلى تدريبات موسعة لفهم الدرس وهو ما لا يجدوه في الكتاب الرسمي الذي من المفروض أن يكفي المتعلم بمحتوياته المعرفية والتدريبية والتطبيقية والتقييمية بحيث لا يلتجئ إلا إليه .

ومن هنا جاءت الحاجة إلى مؤلفات مدرسية إضافية ، سميت بالموازية ، تركز على المجال التطبيقي في التعلَمات . أما العامل الثاني المساهم في انتشار تلك الكتب الموازية فهو قيام المنظومة التربوية على مبدأي المنافسة والتميز . وعلى هذا الأساس يلتجئ الأولياء والتلاميذ إلى تلك الكتب لدعم مكتسباتهم التعليمية والقيام بتطبيقات وتدريبات إضافية تعمّق فهمهم للدروس وتجعلهم يطمحون إلى التميز لمنافسة أترابهم على المراتب والمعدلات التي تفتح لهم أبواب التوجيه المدرسي والجامعي على مصراعيه لاختيار ما يرغبون فيه من شعب مدرسية وجامعية تؤمن لهم مشاريعهم المهنية المستقبلية التي يصبون إليها . وقد ساهم في انتشار الكتب الموازية أن مؤلفيها من الإطارات التربوية لوزارة التربية وأنها تعتمد من طرف عديد المدرسين الذين يجدون فيها تطبيقات وتمارين وأنشطة لا يجدوها في الكتاب الرسمية ، فهي تخفف عنهم تعب البحث في مصادر ومراجع مختلفة. كما يستعملها بعض المدرسين في اختيار بعض التمارين والامتحانات الموثقة في تلك الكتب . وعند اكتشاف الأولياء وأبنائهم هذه المعلومة يبدأ اللهث وراء الكتب الموازية ويندفعون نحوها اندفاعا كبيرا لعلها تحسن أداء أبنائهم بتدربهم على تمارين قد تشبه الامتحان وبالتالي تمكنهم من الحصول على نتائج مدرسية متميزة لأن منظومتنا تقوم على المنافسة والتميز .

الكتاب الموازي : الأهداف والنتائج    

أصدر هذا النوع الجديد من الكتب مؤلفون وناشرون بغاية توفير وسيلة مساعدة للتلميذ على التعلّم، ولتمكين المدرس من أداة مساعدة على أداء مهمته التعليمية . وتتناول الكتب الموازية البرامج الرسمية لكن بطرق ومنهجيات تختلف عن الكتاب المدرسي الرسمي يجعل العديد منها مساعدا فعليا للتعلم . ويعود رواج العديد منها إلى كونها تعتمد البرامج الرسمية لكن بطريقة مغايرة إذ تركز على تلخيص المحتويات التعليمية على أساس أهم المحاور والأفكار فيها ، كما تركز على الأنشطة التطبيقية كالتمارين والتدريبات والصور والأشكال التوضيحية، وتبرز المعارف المهمة في التعلّمات . وهذا المنهج يسهل على التلميذ مهمة الفهم والاستيعاب وتساعده على التعلّم.

لكن لهذا الأسلوب آثار سلبية على تكوين التلميذ . فمن عيوب منهجية تبسيط المحتوى ـ وإن كان مطابقا للبرامج الرسمية ـ أنها تلغي عن مستعمل الكتاب استعماله ملكة التفكير وتشغيل ذهنه، وتوجهه نحو نماذج تعليمية يتولى حفظها ثم تطبيقها دون تفكير أو بحث أو تطبيق للمنهجيات البيداغوجية في غالب الأحيان . وهذا المنهج في التعليم يعلم التلميذ الكسل والاتكال على الغير وهو ما لا ينمّي في الناشئة قيم  الاتكال على النفس وحب العمل والاجتهاد والثقة في النفس وتحمل المسؤولية .. وبحكم تلك الآثار السلبية فالكتب الموازية لا تحسن من تكوين التلميذ في المطلق وإن ساعدت في تحسين نتائجه وهي أيضا لا تحسن من مردودية المنظومة التربوية ونجاعتها. ويتفاقم الأثر السلبي عندما نجد في الأسواق كتبا موازية للدعم لا تطبق البرامج الرسمية ولا تلتزم بمعايير نشر الكتب المدرسية الموجهة للطفل والشاب في المدرسة ، فتقع في أخطاء بيداغوجية أو علمية أو منهجية  تؤثر سلبا على تكوين المتعلمين .

الكتاب الموازي بين التأشير وحرية النشر    

يخضع إصدار الكتاب المدرسي الموازي للدعم إلى مبدإ حرية النشر والترويج في العموم ، لكن  هناك إجراء كان مطبقا في الماضي ( لا أعلم إن كان متواصلا اليوم) وهو أن من يرغب في الحصول على تأشيرة الوزارة على كتابه أو كتبه، مطالب بإيداع الكتاب الموازي – قبل ترويجه –  لدى مصالح الوزارة التي تعرضة على لجنة من المتفقدين يتولون تقييم الكتاب ومدى ملاءمته لمعايير ومحتويات البرامج الرسمية من جميع النواحي البيداغوجية والتربوية … وفي صورة مصادقة اللجنة يحصل الكتاب على تأشيرة وزارة التربية ويستطيع صاحبه إبراز تأشيرة وزارة التربية على كتابه لمزيد ترويجه . أما بقية الكتب فهي حرة ولا تخضع لأي مراقبة .

ونظرا للتفاوت بين الكتب الموازية من حيث جودة المنهج والمحتوى البيداغوجي ، يمكن للوزارة فرض التأشيرة على كل الكتب المدرسية الموازية للدعم التي تروج في السوق التونسية لأنها كتب موجهة أساسا للتلاميذ ومن الضروري أن تكون مطابقة لمعايير التأليف التي تحددها الوزارة لضمان توفيرها محتوى تعليميا متقنا ووظيفيا مطابقا للبرامج الرسمية قادرا على تطوير مكتسبات التلاميذ ومهاراتهم ومساعدا لهم على التعلم دون حصول تلك التأثيرات السلبية على تكوينهم التي أشرنا إليها سابقا . وفي هذه الحالة يمكن لوزارة التربية منع ترويج تلك الكتب إلا بعد الحصول على تأشيرة الوزارة . وهناك حل آخر لا بد من التنويه به وهو مشروع المركز الوطني البيداغوجي التابع لوزارة التربية الذي انطلق في إنتاج كتب دعم لكل المستويات وهذه بادرة مهمة توفر للتلميذ كتبا رسمية محكمة للمراجعة والدعم تبعده عن الكتب الموازية التجارية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

العودة المدرسية : الإشكالات الآنية المطروحة وطرق معالجتها

استعدادا للإصلاح التربوي المرتقب ، وحرصا على مزيد توفير ظروف النجاح للعملية التعليمية في ا…