مع انطلاق الحملة الانتخابية: ولا ولاء لغير البلد
تنطلق اليوم رسميا الحملة الانتخابية داخليا بعد ان تم ذلك بالنسبة الى الخارج يوم 12 من الشهر الجاري ويخوضها ثلاثة مترشحين كما هو معلوم وهم الرئيس الحالي قيس سعيد وزهير المغزاوي والعياشي زمال الذي يواجه تهما كثيرة وهو الآن تحت مفعول بطاقة إيداع بالسجن.وتأتي هذه الحملة الانتخابية وسط توترات في المشهد السياسي وسجالات يمكن تفهمها وتفسيرها فغالبا ما ترتبط هذه المحطات السياسية المهمة بالسجال والجدل وهذا طبيعي.
والحقيقة انه بعد ما يربو عن العقد من الزمن دأب التونسيون على أداء واجبهم وممارسة حقهم الانتخابي وتعوّدوا على هذه المحطات وما يرافقها من صخب.
ولكن الاستحقاق الانتخابي المنتظر يوم 6 أكتوبر المقبل له سمات مختلفة فغالبا ما كانت الانتخابات تأخذ طابعا استعراضيا وكأن الهدف هو الممارسة الشكلانية لهذا الحق ويغيب الجوهر وهو ما جعل العديد من المراقبين يوجهون نقدا للمسار الديمقراطي التونسي الذي انشغل فاعلوه بما هو سياسوي صرف واهملوا ما هو اجتماعي واقتصادي وحضاري وهو ما قاد الى إجراءات 25 جويلية 2021 وقبلها ما حدث من تبّرم وضجر من التونسيين من المشهد السياسي وما كان يحدث فيه من هرج ومرج.
وربما لهذه الاعتبارات حدث عزوف كبير من المواطنين على الفعل السياسي سواء كممارسة أو متابعة وتآكلت الثقة في بعض المؤسسات وفي مقدمتها البرلمان المنحل الذي كان بمثابة آغورا دون ضوابط وكان النواب يمارسون التمسرح تحت قبة البرلمان دون ان ننسى ممارسة كل أشكال العنف رمزيا ولفظيا وبدنيا في رحاب المؤسسة التشريعية.
كما ان النظام السياسي الهجين الذي تم اعتماده بعيد أحداث 14 جانفي 2011 قد أثّر بشكل سلبي على المشهد السياسي وأداء الفاعلين السياسيين فقد تم تقسيم السلطة بين رؤساء ثلاثة وهو ما جعل الحكم متشظيا. وقد تم استلهامه من أنظمة قائمة على الطائفية في اغلبها وهو ما لا يتماشى ولا يتسق مع طبيعة المجتمع التونسي ولا إرثه السياسي القائم دائما على النظام الرئاسي.
كما ان الأعداد الكبيرة من المترشحين ورغم ان هذا حق دستوري لكل التونسيين إلا ان من يترشح لحكم تونس ينبغي ان تتوفر فيه مجموعة من الصفات والميزات والمؤهلات التي لا تتوفر في كثير من الذين ترشحوا في انتخابات سابقة.
ومن الطبيعي ان يتطلع التونسيون بشكل مختلف هذه المرة للاستحقاق الانتخابي المرتقب وان تكون الرهانات مختلفة والانتظارات كذلك.
والأكيد ان التونسي الذي أثقلت كاهله الأزمة الاقتصادية المتواصلة منذ حوالي عقد والذي يعيش أوضاعا اجتماعية متوترة غالبا ومرّ بمراحل ارتباك وتراجعت ثقته في بعض أجهزة الدولة حافظ رغم ذلك على ثقة كبيرة في مؤسسة رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية وبعض المؤسسات الأخرى مما يوحي بأن هذا الشعب يراهن على تونس المستقرة المنيعة ذات السيادة وانه لا يأبه كثيرا بالسياسة كلعبة يمتهنها البعض بحثا عن الزعامة أو رغبة في وهج السلطة والتموقع أو لدواعي غنائمية بحثا عن الامتيازات والمجد الذي تمنحه المناصب.
ولذلك هناك نقاط مركزية يتوجب على الرئيس القادم ان يضعها نصب عينيه وهي ان التونسي اليوم ليس معنيا بالسجالات والجدل العقيم بقدر ما هو معني بالفعل السياسي كإنجاز على ارض الواقع بهدف تحسين وضعيته الاجتماعية والاقتصادية في المقام الأول. كما ان هناك مقومات ضرورية لابد ان تتوفر في ساكن قرطاج المرتقب وهي التعفف أولا وعاشرا فمن يلهث خلف مغانم السلطة لا حاجة للتونسيين به ثم الشجاعة سواء في مواجهة الفاسدين الذين كانوا بمثابة المعاول التي قوّضت استقرار تونس وأمنها بكل انماطهم وهم الذين تكالبوا على الدولة فخرّبوا الكثير من مؤسساتها. وفي هذا يتساوى الجميع وحده القانون سيف مسلول يخضع له كل المواطنين دون اعتبارات فئوية أو طبقية أو جهوية أو متصلة بالولاء الشخصي والحزبي.
بالإضافة الى الولاء لتونس دون غيرها فانتماء الرئيس القادم لا ينبغي ان تشوبه شائبة وحدها مصلحة الوطن هي ديدنه وهدفه وغايته. فقد سئم التونسيون فعلا اليافطات المتصارعة التي يقف خلفها اغلب السياسيين الذين تحرك بعضهم مراكز النفوذ في الخارج وهم بمثابة كومبارس في لعبة الأمم وتحرك البعض الآخر اعتبارات ايديولوجية دغمائية عفا عليها الزمن وحتى ولاءات قبلية وجهوية مقيتة في حين ان الرئيس القادم ينبغي ان يكون بمنأى عن كل هذا حتى يكون من القلة التي حول الوطن وليس من الأغلبية التي تحوم حول السلطة.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…