تونس تفي بتعهداتها وتتكبّد تكاليفها أكثر من شركائها: المقاربة الشاملة في مقاومة الهجرة غير النظامية متعثّرة
استبشر الجميع قبل سنة ونيف بالتوافق الواسع بين شركاء الجغرافيا في حوض البحر الأبيض المتوسط بخصوص ظاهرة الهجرة غير النظامية والحديث آنذاك عن مقاربة شاملة تتجاوز البعد الأمني وتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية علاوة على تقاسم أعباء هذه الظاهرة سواء منها ما يعود للتاريخ القديم والحقبة الاستعمارية، أو المستجدّ بفعل استمرار نفس السياسات الاستغلالية الفوقية لدول الضفة الشمالية على حساب دول الجنوب.
وقد كانت بلادنا وهي الأكثر عرضة وتعرّضا للظاهرة، متقدمة في طرح هذه المقاربة الشاملة والعادلة والإنسانية أيضا، في الاجتماعات والزيارات المكوكية التي حصل بعضها على أرضنا وبعضها الآخر في العواصم الأوروبية، لكن ما تحقق في الواقع ما يزال بعيدا وما تزال تونس معرّضة للضغط العالي المزدوج بحكم موقعها الجغرافي فهي رغم عدم امتلاكها لحدود مشتركة مع الدول التي يرغب مواطنوها في الهجرة غير النظامية تتحمل عبء وجود آلاف من هؤلاء الحالمين بالإبحار خلسة إلى «الجنة» في شمال المتوسط.
وما حصل خلال الأيام الأخيرة في عدد من القرى والأرياف التونسية وخصوصا في جهة صفاقس، في العامرة وجبنيانة على وجه الخصوص، يبيّن مدى خطورة استمرار الظاهرة واستمرار عبث الأطراف المتورطة في تغذيتها من الداخل والخارج.
وقد أكّد الناطق باسم الحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي في هذا السياق أنّه تمّ منع أكثر 30 ألف شخص من دول جنوب الصحراء من اجتياز الحدود البرية التونسية خلسة خلال الثمانية أشهر المنقضية من العام الجاري وكشف أن الحرس الوطني يواصل مكافحة شبكات التجارة بالأشخاص والإطاحة بالمهرّبين.
وبفضل جهود مؤسستينا الأمنية والعسكرية بدأت أعداد الأشخاص الذين يحاولون التسلل أو «الحرقة» انطلاقا من التراب التونسي في التقلّص مقارنة بالسنوات الماضية، وهو ما يعكس التزام بلادنا بتعهداتها مع شركائنا الذين فعلوا كل شيء من أجل ان نتحوّل الى ذلك الشرطي الذي يحمي سواحل أوروبا في المتوسط دون تكلفة.
ولسنا نغالي حين نقول أننا تعرضنا وما نزال إلى ابتزاز سياسي وتدخل خارجي في شؤوننا من أجل إرغامنا على القيام بهذا الدور دون مقابل أو بالفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في الوقت الذي تصرّ فيه الدول الأوروبية على الحمائية والانغلاق وحجب التأشيرات وإذلال مواطنينا الراغبين في السفر إليها.
و من المفارقات هنا أن يتبجّح الأوروبيون بأن المقاربات الأوروبية المتّسمة بالتشدّد في المراقبة الأمنية أعطت نتائج مريحة لدول شمال المتوسط من حيث انخفاض تدفق الهجرة غير النظامية في الوقت الذي تضررت فيه المناطق الساحلية في بلادنا على سبيل المثال وفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية جراء الصعوبات التي يلاقيها البحارة وتحوّل شواطئ بعينها الى بؤر ونقاط «حرقة» نحو شمال المتوسط.
ليس ذلك فحسب، تتكبّد كثير من العائلات التونسية في المناطق التي يتكاثر فيها مواطنو دول جنوب الصحراء، وكذلك طيف واسع من المجتمع المدني عبء هؤلاء البشر رغم صعوبة أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي يتساءل فيه المرء عن غياب منظمات حكومية وغير حكومية بعينها كمفوضية الأمم المتحدة للاجئين أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرهما وتنصل الجميع من المسؤولية ومن المشاركة في تنفيذ المقاربة الشاملة التي تم الاتفاق بشأنها بين الشركاء والجيران في حوض البحر الأبيض المتوسط.
إن ما يقدّمه الجانب الأوروبي وكذلك المنظمات الأممية والجمعيات غير الحكومية لبلادنا ليس منّة، وهو لا يرتقي الى حد الآن الى ما هو ضروري من أجل معالجة ظاهرة نحن في تونس وفي افريقيا بشكل عام ضحايا لها والتلكؤ في الوقاية والعلاج والتأسيس لحلول دائمة يجعل منجز اليوم هشّا وقابلا للارتداد ويدفع بالضرورة الى تغليب المعالجة الأمنية التي يتفق الجميع على كونها غير كافية والأخطر من ذلك أن نتائجها عكسية على أوروبا أكثر منّا وهي في النهاية نتائج تمس جوهر الانسانية وتؤبّد الحيف التاريخي وتهدّد دون مبالغة الأمن والسلم الدوليين.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…