فرصة لإكثار البذور والعودة إلى الأصول : الحبوب أهم مقومات الأمن الغذائي
تنكب اطارات وهياكل وزارة الفلاحة هذه الأيام، وبمناسبة انتهاء موسم الحصاد، وبداية أمطار الخريف على بحث كل السبل الممكنة لتوفير كميّات من البذور الممتازة والعادية بنقاط البيع الرسمية، حتى يتمكن الفلاحون من تحصيل “الزرّيعة” في أوقاتها وبالأسعار المحددة دون الوقوع تحت رحمة المحتكرين الذين يضاربون بالبذور ويرفعون الأسعار على حسب مصالحهم الشخصية.
الوزارة قالت أنّه تمّ ضبط برنامج لتوفير كميّات من البذور الممتازة والعادية بنقاط البيع الرسمية، كما تقرر المحافظة على أسعارها على غرار الموسم الفارط، والتي كانت حسب التسعيرة التالية لمختلف الانواع.
البذور الممتازة : القمح الصلب: 160 دينار للقنطار الواحد، القمح اللين: 130 دينار/ق، الشعير والتريتيكال: 120 دينار/ق.
وفرصة توفير البذور يمكن ان تكون أيضا فرصة مناسبة للحرص على العودة الى البذور الاصلية التي تعاقبت على بلادنا منذ آلاف السنين، والتي ضاعت في العشريتين الاخيرتين وسط هجوم أصناف مستوردة من الحبوب الاجنبية التي لا تتماشى بالضرورة مع تربتنا ومناخنا وظروفنا الطبيعية وحتى مع تعاقب فصولنا التي لا تشبه بالضرورة نظيراتها في بلدان المنشأ لهذه الاصناف المستوردة، التي قد تكون معطاءة من حيث وفرة المحصول لكن ليس بالضرورة ان تكون بنفس معايير البذور الاصلية التونسية التي أثبتت خلال كامل تاريخ البلاد انها الاصل وأنها الابقى والانفع للعباد والبلاد.
محاولات عديدة جرت خلال السنوات الأخيرة للعودة الى البذور التونسية الأصيلة، قام بها فلاحون على حسابهم الخاص، وخاضوا تجارب مكلفة ومرهقة لكنها كُللت بالنجاح في عديد الأماكن خاصة في منطقتي الساحل وباجة، وشجعت كثيرا من الفلاحين على اقتناء هذه البذور وزرعها، وكانت النتائج باهرة على مستوى الجودة والوفرة.
هذه المبادرات لم تجد إلى حد الآن الرعاية الكافية من السلط المسؤولة، كما بقيت مجرد محاولات فردية ناجحة وجريئة وفيها تأصل ووفاء أيضا للأرض، لكن تنقصها الضمانات التي لا تتوفر إلا عند الدولة، والتشجيعات التي لا تضمنها إلا السلط الرسمية المسؤولة عن الفلاحة، في حين أنها مبادرات تستحق فعلا أن توفر لها الوزارة كل أسباب النجاح، ولما لا تأخذها على عاتقها وتضع على ذمتها ما تمتلكه من مخابر ومن مقومات الدعم والنجاح.فالحبوب هي المقوم الرئيسي لمسالة الأمن الغذائي، وتحصيل بذور أصلية نابعة من تربتنا ومن بيئتنا ومتوائمة مع مناخنا، هو أسلم طريق لتحقيق هذا الأمن. فالعالم يتغير بسرعة، وكل السلع باتت خاضعة للمضاربة والاحتكار، ولا يمكن لبلادنا ان تبقى رهينة استيراد الحبوب وحتى البذور، فالذين يمتلكونها في الخارج قد تطرأ عليهم ظروف وحسابات تجعلهم يمتنعون عن البيع وساعتها لا نجد حتى ما نبذره في الأرض وننتظره طيلة موسم لنقتات منه، وتزداد حاجتنا للتوريد وبالتالي تزداد حاجتنا الى الاخر وهدرنا للعملة الصعبة.
ومسالة ارتباط تأصيل البذور التونسية بالامن الغذائي، مسألة استراتيجية، ولا بد ان تتبناها وزارة الفلاحة، وتحرص على ان تكون ضمن أولى أولوياتها، لما لها من ارتباط وثيق بقوت الناس، وبالتحرر الوطني من الارتهان للخارج في مسألة مصيرية وهامة مثل هذه.
متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير …