أعلن الخريف عن بداياته ببشائر غيث نافع نحن في اشد الحاجة اليه لاسيما بعد ان تعالت أصوات مطالبة بإعلان حالة الطوارئ المائية. وهو بشكل من الاشكال يبشّر بانطلاقة الموسم الفلاحي، انطلاقة موسومة بالترقب والامل من قبل الفلاحين ولكن هذا لا يحجب بأي حال من الأحوال الملفات الكبرى المفتوحة في هذا القطاع الحيوي قطاع به يتأسس الأمن الغذائي الذي هو ركن أساسي من اركان السيادة الوطنية في مفهومها الشامل.

ومن هذه الملفات قطعا ملفات المياه وحالة الشح والندرة التي بتنا نقبع تحت طائلتها منذ فترة بالإضافة الى مسألة الأعلاف وما تعنيه من أهمية خاصة بالنسبة الى مربي الماشية وكذلك الامر بالنسبة الى الأسمدة والبذور التي هي ركن من اركان الاقتصاد الأخضر راهنت عليها البلدان التي حققت الاكتفاء  الذاتي.

ويبدو ان كل هذه الملفات مطروحة اليوم وبجدية على طاولة الدرس لدى الفريق الحكومي الجديد. كما انها أيضا محل انظار واهتمام اعلى هرم السلطة. وهذا يتجلى في اكثر من مقام ومن سياق واخر هذه السياقات لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد  يوم الاثنين 2 سبتمبر الجاري بكل من وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عز الدين بن الشيخ و كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري المكلف بالمياه حمادي الحبيب.

وقد كان هذا اللقاء مناسبة ليؤكد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ان «الوضع الذي عاشته تونس في مجال المياه هو وضع غير طبيعي ، فانقطاع المياه كان نتيجة لا لانحباس الأمطار والجفاف بل هو نتيجة لعدم التعهد لمدة سنوات طويلة لشبكات التوزيع و السدود الى جانب اعمال إجرامية غايتها تأجيج الأوضاع الاجتماعية كما اثبتت ذلك الأبحاث العدلية في عدد من مناطق الجمهورية» هذا وفق ما جاء في البلاغ الرسمي لصفحة رئاسة الجمهورية . ويضيف البلاغ ذاته أنه ” ليس من قبيل الصدفة على الإطلاق أن يكون الوضع وصل الى ما وصل اليه قبل أسابيع قليلة من الوعد المحدد للانتخابات الرئاسية “.

والحقيقة انه رغم ان سنوات الجفاف المتتالية كانت قاسية على الوضع المائي والفلاحي في بلادنا لكن الأخطر هو ان المصالح المعنية بمجال المياه خاصة والقطاع الفلاحي عموما قد اهملت هذا المجال وقصّرت تقصيرا فادحا في القيام بمهمات التعهد والصيانة وجهر الاودية واعداد الاستراتيجيات الدقيقة والناجعة لمجابهة ظاهرة الشح المائي الناتجة عن التغيرات المناخية التي مست العالم بأسره. بل لن نذيع سرّا إذا قلنا ان هذا الخطر كان واضحا لدى سلطة الاشراف منذ أواسط 2005 واهتم الباحثون بهذه الظاهرة من باب الاستشراف والتحسب لكن المسؤولين الذين تداولوا على السلطة بعيد 14 جانفي 2011 اهتموا بمسائل سياسية على حساب الاقتصاد والقضايا الحارقة التي تمس الشعب التونسي بشكل مباشر وآني وكانت النتيجة ما نعيشه اليوم.

دون ان ننسى معطيات مهمة متصلة بطبيعة العلاقات السائدة في المشهد التونسي فقد أثر الصراع على السلطة والرغبة في الوصول اليها لدى طيف واسع من السياسيين على سلوكهم الهادف الى تعفين الأجواء وتوتيرها عبر افتعال بعض القضايا كما ان هناك بعض الاعمال الاجرامية التي يرتكبها منحرفون سواء بدافع  فردي او تم توظيفهم من اجل افساد بعض المعدات للتأثير على شبكات توزيع المياه على سبيل المثال وليس الحصر.

وفي سياق آخر كان هذا اللقاء فرصة ليتطرق رئيس الجمهورية الى موضوع البذور والأعلاف وتعرض هنا الى ديوان الأعلاف الذي تم إحداثه  وذلك تجنبا للاحتكار في هذا القطاع من قبل عدد محدود ومعلوم من الأشخاص. وشدد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ضرورة ان يقوم هذا الديوان بدوره وان يضطلع بالمهمة التي انشئ من اجلها وهي وضع حد لظاهرة الاحتكار بالإضافة الى المحافظة على ثروتنا الحيوانية والحد من الارتفاع غير المقبول  للأسعار.

وفي سياق متصل طرح رئيس الجمهورية مع وزير الفلاحة وكاتب الدولة أيضا مسألة البذور المحلية وضرورة الحفاظ عليها باعتبارها الاقدر على التلاؤم مع طبيعتنا بينما البذور المستوردة من شأنها ان تجعلنا مرتهنين للخارج والى مراكز نفوذ  تحكم عن بعد حتى وان حققت ربحا اكبر.

وهذا في الحقيقة بيت القصيد فتونس التي وضعت نصب أعيننا في الفترة الأخيرة تحقيق السيادة بالمعنى الشامل لابد ان تكسب رهان تحقيق السيادة الغذائية في المقام الأول وهذا لن يتحقق الا بفتح الملفات الحقيقية المتصلة بأمننا الغذائي وفي مقدمتها قضايا البذور والأعلاف وخاصة مسألة المياه واعداد الاستراتيجيات الدقيقة والناجعة لمجابهة مخاطر الشح المائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها

لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد  …