تهيئة الناشئة للعودة المدرسية بعد العطلة الصيفية: أيّ خـــيـــارات؟
بعد عطلة صيفية دامت فترة تتراوح بين الشهرين وثلاثة أشهر حسب المستويات التعليمية يجد الولي نفسه مضطرا إلى التساؤل عن كيفية مساعدة ابنه أو ابنته على العودة لمقاعد الدراسة من جديد بعد عطلة غالبا ما قضاها أبناؤنا في راحة وانفصال تام عن الدراسة وبالتالي تعودوا على نمط من العيش الصيفي لا يتلاءم مع النشاط المدرسي . وهنا نتفق على أن الناشئة تحتاج إلى تهيئة خاصة استعدادا للعودة المدرسية . فما هي التمشيات لتحقيق ذلك؟
تعتبر فترة الاستعداد للعودة المدرسية فترة حساسة بالنسبة للناشئة، ومع ذلك لا يتم الاهتمام بها كما ينبغي في المنظومة الفرنكوفونية، لكن المنظومات التربوية الانغلوسكسونية توليها أهمية كبيرة منذ القرن الماضي. وقد زاد الاهتمام بها منذ تسعينات القرن الماضي وأعدت حولها الدراسات واقترحت الحلول. وقد أحصى باحث أمريكي سنة 1996 الدراسات في المجال وعدّها 39 دراسة تناولت مسألة أثر العطلة الصيفية في تلاشي مكتسبات التلاميذ في التعليم المدرسي. وتطورت الدراسات في المجال وتعمقت، فتم في كندا مثلا بحث أثر العطلة الصيفية في تلاشي كفاية القراءة لدى الطفل. ونتج عن تلك الدراسات بعث مخيمات تنظم أنشطة صيفية للأطفال تعالج مسألة تلاشي المكتسبات وتدني كفايات التلاميذ بسبب تعطل الدراسة في الصيف لأن العودة المدرسية تمثل التحول من مرحلة الراحة والاسترخاء وضعف الالتزام والانضباط لفترة طويلة نوعا ما إلى مرحلة النشاط المدرسي المهيكل والمنظم والذي تضبطه قواعد عيش وسلوك معينة ..
وحسب الباحثين في موضوع الزمن المدرسي وأثره على التعلم، فإن العطل المدرسية عموما يجب أن تكون قصيرة خلال السنة الدراسية حتى لا تحصل قطيعة بين المعرفة والمتعلم وبالتالي فإن تشغيل الذهن من جديد بعد عطلة قصيرة لا يؤثر على استيعاب المتعلم للمعرفة إذ باستعمال تقنية التذكير بما سبق للربط مع المعارف الجديدة يتحقق المطلوب. وحسب نفس الباحثين فإن عطلة مدرسية طويلة مثل العطلة الصيفية تحدث قطيعة بين المعرفة المكتسبة والتلميذ ولها تأثير مهم على تأقلم التلميذ مع المعرفة من جديد . ومن النتائج الطريفة التي أفرزتها الدراسات في المجال أن نشاط الذهني للتلميذ يكون أفضل في فصل الصيف منه في فصل الشتاء وبالتالي فإن عطلة طويلة في فصل الصيف تأتي ضد منطق اشتغال الذهن الإنساني.
تأثير التحول من العطلة إلى المدرسة على الناشئة
ويعتبر الباحثون في علم النفس المدرسي أن تحول الطفل أو المراهق من مرحلة العطلة إلى مرحلة الدراسة ذات تأثير سلبي على اندماجه في النشاط المدرسي بسرعة وخاصة في الأسابيع الأولى بعد العودة المدرسية. ويعتبرون أن سرعة التأقلم والاندماج في البيئة المدرسية من جديد مهمة جدا بالنسبة للأداء الدراسي للناشئة بل هي التي تمثل حجر الزاوية بالنسبة إليه . لذلك من المهم العمل على تهيئة الناشئة لهذا التحول السلوكي والاجتماعي والأكاديمي . ومن هنا كان الإعداد النفسي والذهني للتلميذ لتهيئته للعودة للدراسة من أهم الاستعدادات التي على العائلة كما المدرسة أن تخطط لها وتضع لها برنامجا تنفيذيا قبل انطلاق الدراسة بالنسبة للعائلة والمدرسة وفي الأيام الأولى للعودة المدرسية بالنسبة للمدرسة.
وتذكر الدراسات في هذا المجال أن العودة المدرسية بعد عطلة الصيف الطويلة كانت عامل قلق وضغط نفسي لدى عديد الأطفال الذين لم ينجحوا في التأقلم بسرعة مع هذا التحول في نمط حياتهم . وقد أثر ذلك على نتائجهم المدرسية خلال السنة الدراسية وعلى جانب التواصل والتفاعل مع أترابهم ومدرسيهم في المدرسة. ويذكر الجامعي الأمريكي Harris cooper من جامعة كارولينا الشمالية المتخصص في علم النفس الاجتماعي وهو من أهم الباحثين في الموضوع أن التلميذ يخسر خلال العطلة الصيفية ما قدّره بشهر تعلم وهذا يعني أن المدرس مطالب بمراعاة ذلك من خلال تنظيم حصص مراجعة في بداية السنة الدراسية الجديدة ليضع التلميذ في مستواه الذي أنهى به السنة الدراسية السابقة وبالتالي مواصلة العمل معه في البرامج الجديدة . ويؤكد الباحث أن تلاشي المكتسبات المعرفية في العطلة الصيفية يمس الجميع ولا علاقة له لا بالنوع ولا بالقدرات الذهنية للطفل لكنها تتأثر بالانتماء الاجتماعي بالنسبة للغات التي تضعف لدى الفئات الفقيرة بينما يكون التلاشي تقريبا متساويا لدى الجميع بالنسبة لمادة الرياضيات باعتبارها مادة مدرسية لا يمكن تناولها في الحياة الاجتماعية العامة خلال العطلة مما يؤكد ضرورة وضع برامج مختصة لكل هؤلاء خلال العطلة الصيفية.
تمشيات التهيئة الناجحة
تطرح اليوم عديد الحلول لمعالجة هذه المسألة . ونذكر من بينها ما طرحه الجامعي الأمريكي Harris cooper في دراساته من حلول في علاقة بالسياسة التربوية. فهو يدعو إلى التخفيض في مدة العطلة الصيفية وبالمقابل زيادة عدد أيام الدراسة خلال السنة الدراسية . فبالنسبة لمنظومتنا مثلا ننتقل من حوالي 175 يوم دراسة في السنة إلى المعدل في المنظومات التي تحمل راية التطور التعليمي وخاصة في جنوب آسيا والذي يصل إلى 220 يوم دراسة مع أن عدد أيام الدراسة يصل في اليابان إلى 240 يوم ولا تتجاوز العطلة الصيفية شهرا إضافة إلى عطلتين خلال السنة الدراسية واحدة بأسبوعين وثانية بثلاثة أسابيع. ويذكر الباحث الأمريكي حلا ثانيا يتمثل في فتح مدارس للدعم المدرسي خلال العطلة الصيفية بطريقة مبتكرة وجاذبة للتلاميذ ويمكن إثراؤها بأنشطة ثقافية ورياضية وألعاب فكرية وذهنية موجهة للأطفال والمراهقين لتنشيط عقولهم وتثبيت مكتسباتهم المعرفية.
وفي علاقة بالمؤسسة التربوية في بداية السنة الدراسية تدعى المدرسة إلى تكثيف الأنشطة التي تنظم سنويا من طرف المستشارين في التوجيه بغاية أقلمة تلميذ السادسة ابتدائي المنتقل إلى السابعة أساسي مع البيئة التعليمية الجديدة في الإعدادي وكذلك الأمر بالنسبة لتلميذ التاسعة أساسي المنتقل إلى الأولى ثانوي ليطلع على طريقة اشتغال التعليم الثانوي.
وفي علاقة بالعائلة فإنها مدعوة خلال كل عطلة صيفية إلى وضع برنامج أنشطة للمحافظة على المكتسبات المعرفية لأبنائها وعلى الاشتغال الذهني السليم لديهم. وهذا البرنامج لا علاقة له بالدروس الخصوصية كما قد يفهم بعض الأولياء وإنما يتمثل في تشريك الطفل في أنشطة ثقافية وترفيهية هادفة خلال العطلة. وبذلك نحمي الناشئة من تهالك المكتسبات المعرفية بحكم التركيز فقط على اللهو والاسترخاء والراحة خلال العطلة. هناك ملاحظة لا بد أن نسوقها وهي أن بعض الباحثين يعتبرون أن هذا التصرف العائلي السليم خلال العطلة هو عامل مساعد على تعميق التفاوت بين التلاميذ في المدرسة، ذلك التفاوت الذي تفرضه الفروق الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية بين العائلات والجهات. فالطفل الذي يغتنم فرصة العطلة للعمل بصورة ما لمساعدة عائلته أو توفير الأموال للعودة المدرسية لن يعود إلى المدرسة وله نفس حظوظ النجاح مع ذلك الذي وضعت له أسرته برنامج راحة وترفيه ومحافظة على المكتسبات المدرسية ومشاركة في أنشطة ثقافية وعلمية والاطلاع على موارد تنمي ذهنه وفكره.
لذلك فالإعداد للعودة المدرسية مهم جدا من حيث التصرفات التي أشرنا إليها ولكن أيضا بالحرص على تعويد الطفل على تنظيم أوقات النوم والراحة والحرص على إعداده نفسيا لذلك الموعد الهام من خلال الحوار والنقاش حول تجربته في المدرسة وحول أهدافه بالنسبة للسنة الجديدة حتى يكون الإعداد للعودة المدرسية مؤشر تفاؤل بسنة مدرسية ناجحة.
في الشأن التربوي : تربية الناشئة على المهارات أحد تحدّيات المدرسة
من بين التحديات الحياتية التي تواجه المجتمع الإنساني اليوم، والتي على المدرسة رفعها في كل…