نقص أطباء الاختصاص في القطاع العمومي: معاناة مزدوجة للمواطنين والأطباء الشبان المقيمين
تعاني العديد من المستشفيات العمومية في مختلف الولايات من نقص حاد في الموارد البشرية لاسيما في ما يتعلق بـ«طب الاختصاص»وذلك نتيجة الموجة الجارفة للهجرة والعزوف الكبير في صفوف الأطبّاء الشبان عن العمل في المناطق الداخلية والذين بقي عددهم الى اليوم محدودا جدا ، ولا يلبي الحاجيات المتأكّدة، وهوما أثرّ سلبًا على «الحق في الحياة» للمرضى بمختلف ربوع البلاد.
ان تردي أوضاع قطاع الصحة العمومية الذي نثر من حوله كثيرا من الحبر طيلة العشرية الماضية بسبب النقائص التي يعرفها القاصي والداني مايزال الى اليوم يراوح مكانه رغم كل المجهودات والبرامج التي تحرص الوزارة على ضخها من وقت الى اخر من اجل انعاش القطاع وفي مقدمتها برنامج تدعيم المستشفيات العمومية بأطباء الاختصاص الذي لم يحقق في واقع الامر اهدافه المرجوة و ظلت العديد من المستشفيات تعاني من فقدان العديد من الاختصاصات ونذكر على سبيل المثال المستشفى المحلي بدوز من ولاية قبلي الذي اطلقت من داخله طبيبة مباشرة مؤخرا نداء استغاثة من أجل القيام بزيارة فجئية لمعاينة حقيقة المعاناة التي يواجهها الأطباء بقسم الاستعجالي الذي يتطلب على حد قولها على الأقل 12 طبيبا، في حين أنهم الآن أربعة أطبّاء فقط مطالبين بتغطية حصص الإستمرار رغم النقص في الطاقم الطبي ورغم الحالة التي عليها المستشفى من تهميش وظروف لا يقبلها العقل وفق تعبيرها .
كذلك يعاني المواطنون في ولاية القصرين من نفس المعضلة حيث اكد الدكتور عبد الغني الشعباني المدير الجهوي للصحة بالقصرين في تصريحات له نشرتها التنسيقية الوطنية لاعوان الصحة العمومية بأن الجهة تعرف نقصا كبيرا في ما يتعلق بالإطارات الطبية حيث تراجع العدد بـ35 طبيبا مقارنة بسنة 2021 وتضم حاليا 95 طبيبا بمختلف المؤسسات الصحية واصفا عدد الأطباء بالضعيف نظرا لاحتواء الجهة على 153 مركز صحة و10 أقسام إستعجالية من بينها قسم الاستعجالي بالمستشفى الجهوي بالقصرين الذي يستوجب وجود 3 أطباء .
كما عبر في سياق متصل عدد من أهالي معتمدية تمغزة الحدودية من ولاية توزر عن تذمرهم من نقص الإطار الطبي بالعيادات الخارجية منذ أكثر من سنة باستثناء طبيبة بقسم الاستعجالي مطالبين بضرورة إيجاد حل لهذه الاشكالية خاصة أنها معتمدية سياحية وحدودية.
وأكد مصدر من الإدارة الجهوية للصحة بتوزر أن الجهة تعاني من نقص في الاطارات الطبية مع مغادرة عدد منهم رغم ذلك تم ايجاد حل وقتي للمستشفى المحلي بتمغزة يتمثل في توفير طبيب من المعتمديات المجاورة في انتظار انتداب طبيب قار في أقرب وقت.
وقد تم تدعيم العديد من المستشفيات العمومية الجهوية باطباء الاختصاص على غرار المستشفى الجهوي بسيدي بوزيد بـ 13 طبيبا في اختصاصات مختلفة شملت طبّ القلب والشرايين، وأمراض النساء والتوليد، والطب الباطني، وطب المعدة، وطب العيون، وطب الأطفال، واختصاص التخدير والانعاش، وقسم الأنف والحنجرة، والجراحة العامة، وبإحداث قسم جديد في اختصاص جراحة طبّ الأطفال وتحويل قسم أمراض النساء والتوليد إلى قسم جامعي خلال هذه السنة.
كذلك وبعد نداءات متكررة من المواطنين تم دعم العديد من الجهات الاخرى بأطباء اختصاص، لتبقى رغم ذلك المستشفيات الجهوية منها والمحلية بحاجة إلى تعزيزات كبيرة لأكثر من اختصاص وتعزيزات طبية وشبه طبية وتحسين البنية التحتية المتعلقة بالبنايات والتجهيزات وكل ذلك بسبب عزوف المتخرجين الجدد من الاطباء عن الالتحاق للعمل بالجهات رغم حرص وزارة الصحة والسلطات المعنية على تكوين ما يفوق الالف طبيب في اختصاصات متعددة وعلى تسهيل إجراءات الانتداب والالتحاق وذلك بهدف انتداب ما يقارب 263 طبيب اختصاص سنة 2024.
لقد ظلت تونس حتى تسعينيات القرن الماضي تفاخر بالمنظومة الصحية التي استثمرت فيها الموارد البشرية، والتجهيزات الطبية، إلا أن أمد هذا الوضع لم يعمر خلال العشريتين الأخيرتين، إذ بينت العديد من الحوادث الصحية أن القطاع الصحي تراجع كثيرا وتردت خدماته إلى درجة باتت تهدد بانهيار المنظومة الصحية في البلاد حيث يجمع أغلب التونسيين على أن القطاع الصحي في تونس يواجه تحديات صعبة تتلخص في تراجع استثمار الدولة ودعمها لهذا القطاع، وهجرة آلاف الكوادر الطبية إلى الخارج بنية تحسين أوضاعهم المادية والمهنية، وغياب حوكمة التصرف في قطاع الأدوية وعدم توفر ما يكفي من أطباء الاختصاص في مختلف المناطق حيث أظهرت دراسة أعدّها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية ارتفاع نسق هجرة الأطباء ومهنيي الصحة بشكل عام استنادا إلى أرقام نشرتها الوكالة التونسية للتعاون الفني، مما يدعم ما نبّهت إليه عمادة الأطباء التي أعلنت على لسان كاتبها العام أنّ 1500 طبيب غادروا تونس في عام واحد (2023).كما تشير تقديرات إلى مغادرة 4000 طبيب تونس في غضون الثلاث سنوات الأخيرة، بحثا عن ظروف عمل أفضل أمام التدهور الكبير في البنية التحتية في المستشفيات التونسية وبحثا عن فرص لتطوير المهارات.
ويتواصل نزيف هجرة الأطباء ومغادرة الكفاءات الطبية للمستشفيات العمومية نحو القطاع الخاص في تونس ونحو دول أخرى خارجها منذ سنوات وسط مخاوف من انعكاس ذلك على المنظومة الصحية العمومية التي تعيش لسنوات طويلة حالة من الانهيار وتردي الخدمات ووفق ما صرح به لـ«الصحافة اليوم» الدكتور قيصر ساسي» الناطق الرسمي باسم الأطباء التونسيين حول العالم فإن أكثر من خمسة آلاف طبيب غادروا البلاد خلال السنوات القليلة الماضية مبينا بأن آخر رقم أعلنه المعهد الوطني للإحصاء منذ خمس سنوات يؤكد مغادرة ما يفوق 3300 طبيب وانه خلال سنة 2020 لوحدها غادر نحو700 طبيب أرض الوطن.
وأفاد محدثنا بأن الجمعية قامت خلال العامين الماضيين بدراسة شملت 393 طبيب غادروا البلاد وقد كان من أبرز نتائجها أن 70 بالمائة من الأطباء المهاجرين عللوا مغادرتهم بظروف العمل الصعبة وبالضغط المهني المسلط عليهم بسبب نقص الكوادر الطبية وكثرة ساعات العمل. كما أوضح بأن الدراسة بينت جانبا مضيئا وهو أن 50 بالمائة من الأطباء مستعدون للعودة في صورة ما تحسنت ظروف العمل والبنية التحتية للقطاع مبينا أنه من بين أهم أسباب الهجرة التي توصلت إليها الدراسة صعوبة العمل في المستشفيات وعدم توفر شروط وقواعد السلامة للطبيب وللمريض على حد سواء كما بين الدكتور قيصر في سؤال حول الجانب المادي بأن السبب المادي وما يتقاضاه الطبيب من أجر مسألة ثانوية مقارنة بالنقائص الأخرى الموجودة.
التطورات الجديدة في ملف الأعوان المتعاقدين بوزارة التربية : هل هي بداية الانفراج للقطع النهائي مع آليات التشغيل الهش؟
بعد سنوات طويلة من النضالات المتواصلة من أجل حلحلة ملفهم الذي ظل يراوح مكانه بسبب عدم تجا…