مما لا شك فيه ان تونس تعيش مرحلة  دقيقة  يحبس الكثير منا الأنفاس في انتظار الموعد الانتخابي الذي هو محطة مهمة ضبط الدستور ملامحها وتعوّد التونسيون على ممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي منذ حوالي عقد ونصف تقريبا.

وكان يمكن أن يكون الأمر بديهيا وطبيعيا لولا بعض الاحتقان في المشهد السياسي الذي نعاينه كل يوم بأشكال مختلفة ورغم ان السياسة كما قال ماكس فيبر هي فن الممكن إلا اننا لا نستطيع إنكار ان هناك من يمارسها بأدوات وأساليب لا أثر «للأخلقة» فيها حتى لا نقول شيئا آخر. كما ان هناك من يعمل دوما على توتير الأجواء من أجل التشويش على هذا الحدث الكبير وتوجيه الرأي العام من أجل التأثير على نتائج الاستحقاق الانتخابي.

وقد واكبنا خلال السنوات الماضية عديد المحطات الانتخابية التي سقط فيها الرأي العام في فخ التأثير بأشكال وطرائق مختلفة ومن أشهرها فخ « التأثير الديني والهوّياتي » الذي طبع المرحلة بأكملها وحوّل  أحلام  التونسيين وتطلعاتهم من اجتماعية واقتصادية الى روحانية ودينية وبقية السيناريو معلوم وتفاصيله محفورة في أذهان عموم التونسيين الذين استفاقوا بعد حوالي 14 سنة من ثورتهم على وضعيات صعبة اقتصاديا واجتماعيا وعلى حالة  إنهاك كلّي للدولة بكل أجهزتها وأدركوا أن الانحرافات التي طالت الفعل السياسي وأن الديمقراطية التي حلموا بها كانت مشوّهة مع الأسف ولم تشبع لهم انتظاراتهم ولم تحقق أحلامهم الشاهقة.

وكانت النتيجة احباطا وانكفاء حول الذات وعزوف كبير عن الشأن العام وتغير واضح في الاهتمامات نحو ما هو اقتصادي وتنموي واجتماعي في المقام الأول.

وعلى هذا الأساس تبدو المحطة الانتخابية المرتقبة مختلفة تماما عن باقي الاستحقاقات التي شارك فيها التونسيون من قبل سواء على مستوى الانتظارات منها أو الوعود المبثوثة فيها.

وربما لهذا أيضا اتخذ السياق الانتخابي دينامية خاصة وأبرز ملامحه أن هناك تحركات على المستوى الخارجي بشكل مكثف لاسيما وان هناك من يريد ان يكون فاعلا سياسيا في تونس عبر الاستقواء بدوائر القرار الأجنبي والتعويل على بعض مواقع التواصل الاجتماعي لبث أخبار زائفة واشاعات وخلق مناخات متوترة ومحتقنة من شأنها أن تلقي بظلالها بشكل مباشر على هذا الاستحقاق المفصلي الذي سيقطع بالتأكيد مع مرحلة الانتقال المرتبك وسيضع نقطة النهاية له.

وفي هذا الإطار يمكن تنزيل لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد بوزير الداخلية خالد النوري والذي كان مناسبة للتنويه بدور القوات المسلحة الأمنية والعسكرية وتثمين جهودها للحفاظ على الأمن القومي من قبل الرئيس الذي دعا  أيضا الى ضرورة  التحلي بمزيد اليقظة و التأهب من اجل مجابهة كل محاولات تأجيج الأوضاع.

وهي كما جاء في بلاغ رئاسة الجمهورية «محاولات يائسة تقتضي المسؤولية التاريخية إحباطها وفق ما يقتضيه القانون».

ولأن السياق انتخابي بامتياز وتنافسي أيضا فقد أكد رئيس الجمهورية بوضوح أن الانتخابات ليست حربا بل هي موعد يتجدد في مواعيد محددة طبق ما يضبطه الدستور.

وهذا يطرح إشكالية بالغة الأهمية وهي خوض السباق الرئاسي وفق الضوابط القانونية والأخلاقية ليختار الشعب التونسي من يحكمه بمنتهى الحرية بعيدا عن الضغوطات والتأثيرات لاسيما وان هناك بعض الأطراف اختارت خوض «مغامرتها الانتخابية» معوّلة على الخارج.

وهذا ما أشار له البلاغ الرئاسي بالقول :«بعض الدوائر المرتمية في أحضان اللوبيات المرتبطة  بدورها بجهات خارجية لا تقوم بحملة انتخابية بل بحملة مسعورة ضد الدولة التونسية وضد الشعب التونسي صاحب السيادة».

والواضح ان الرهان اليوم هو على وعي الشعب التونسي من ناحية وعلى جاهزية قواته الأمنية والعسكرية لاجتياز المحطة الانتخابية في أفضل الظروف وليعبّر التونسيون عن ارادتهم الحرة وتقرير مصيرهم بأنفسهم بعيدا عن كل التأثيرات والإملاءات المباشرة أو غير المباشرة.

وفي سياق متصل كان هذا الاجتماع فرصة سانحة ليجدد رئيس الجمهورية تأكيده على ضرورة استكمال إعداد حركة الولاة في أقرب الآجال مع مراعاة معطى الولاء لتونس في المقام الأول في اختيار المؤهلين لهذا المنصب المهم دون التغافل عن ضرورة توفر مقومات الكفاءة لخدمة المواطنين والتحلي بالحياد والتحفظ  والانضباط وكذلك الوعي بأن تونس دولة موحدة كما ينص على ذلك الدستور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها

لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد  …