مما لا شك فيه ان بلادنا مقبلة على مرحلة جديدة بالغة الأهمية والدقة بدأ الإعداد لها وتمهيد الأرضية لها في السنوات الأخيرة. والأكيد أيضا ان الانتخابات الرئاسية المقبلة التي تحدد موعدها يوم 6 أكتوبر 2024 ستكون محطة فاصلة في تاريخ البلاد.

ولابد هنا من العمل على إنجاح هذه الانتخابات وجعلها جسرا متينا بين مرحلة ارتباك الدولة التي شابت سنوات الانتقال العسير وما رافقها من تدمير لكل المكتسبات التي راكمها الشعب التونسي على امتداد حوالي ستة عقود من الزمن  وبين الاستقرار والمضي بخطى ثابتة نحو الفعل والانجاز بجهود التونسيين وعبر التعويل على الذات.

ونجاح الانتخابات لا يقتصر قطعا على المسائل الإجرائية والشكلية كما قد يتبادر لأذهان البعض وهي مهمة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وبعض أجهزة الدولة والقوات الأمنية والعسكرية التي تسهر على تأمين هذا الاستحقاق المهم،  ولكنه  مهمتنا جميعا، كل يستطيع ان يعمل من مكانه من اجل إنهاء كل مظاهر الترهل والارتباك التي عرفتها تونس.

وأولى مقومات النجاح ومرتكزاته هي تنقية المناخ العام الذي لا يخفى على أحد أن هناك شوائب كثيرة تشوبه وهناك توترات واضحة تبرز ارتداداتها في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مع كل أسف رجع صدى للأحداث بل أحيانا لها قدرة على صناعتها.

كما ان ملامح الخطاب السياسي الذي يتم تداوله ما بين الفرقاء السياسيين والصفحات التابعة لهم يبدو متشنجا الى حد كبير وتقف خلفه نوايا تصعيدية من أجل تحقيق بعض التموقع على حساب الخصوم دون مراعاة المصلحة العليا للبلاد التي تحتاج الى العقلنة والهدوء والحكمة حتى تمر بسلام  الى ضفة البناء والتشييد.

فالعواصف التي تمر بها منطقتنا والظرف العالمي الدقيق والاشكاليات المطروحة علينا وعلى غيرنا تقتضي ان نتجاوز كل الخلافات مهما بدت لنا كبيرة وان نلتف حول مصلحة بلادنا ونوليها المقام الأرفع والمكانة الهامة في دائرة تفكيرنا.

كما أن ما يحدث حولنا يملي علينا ضرورة التفكير والتدبّر في أوضاعنا الداخلية والعمل على حسن تدبير شؤوننا الداخلية بعيدا عن التشنج والتوترات وبقدر أعلى من نكران الذات وان نتعلم من الدروس المستخلصة من المرحلة الماضية التي كلفتنا الكثير من الوقت والجهد وضياع المكاسب جراء نزعات الأنانية والرغبة في التموقع والركض خلف المصالح الفردية و منطق  الغنيمة والقبيلة والعقيدة  الذي حكم العقل السياسي التونسي في السنوات التي تلت أحداث 14 جانفي 2011 بعد أن تم السطو على ثورة التونسيين وتأجيل أحلامهم إلى آجال لا تأتي.

هنا سيكون من باب المكاشفة القول إن النخب الثقافية من مبدعين ومفكرين وأدباء  عليهم مهمة جليلة في هذه الظروف وهي الالتفاف حول الوطن ما دامت جل الأطياف السياسية ملتفة حول السلطة ومتطلعة الى الوصول الى الحكم  مهما كلف الامر وبكل الطرق .  ففي هذه الظروف علّمنا التاريخ ان يكون دور المثقف هو بمثابة الضمير الحي المتيقظ دائما لأي انزلاق محتمل.

وعليه فمن المهم ان تقوم هذه النخب بدورها وان تضطلع بمهمتها لإنارة عموم التونسيين وتوضيح بعض الأمور لهم حتى لا يكونون  ضحية الإشاعات والأخبار الزائفة التي تبثها بعض مواقع التواصل الاجتماعي.

يبدو ان الحملات الانتخابية قد انطلقت قبل أوانها وهناك سباق محموم من أجل التأثير على الرأي العام ، سباق يعلوه الكثير من الصخب ويحتاج الى النظر بعمق وتمحيص المعطيات والاخبار المبثوثة هنا وهناك. والمفارقة العجيبة هنا أن بعض  المحسوبين على الثقافة والفكر هم بدورهم انخرطوا في هذه «الحفلة التنكرية الجماعية».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مع انطلاق الحملة الانتخابية: ولا ولاء لغير البلد

 تنطلق اليوم رسميا الحملة الانتخابية داخليا بعد ان تم ذلك بالنسبة الى الخارج يوم 12 من الش…