عن الانتخابات المرتقبة والسيادة الوطنية : حتى لا تكون تونس في مهبّ لعبة الأمم
مرة أخرى يوجّه رئيس الجمهورية قيس سعيد رسائل متعددة وفي أكثر من اتجاه مفادها التمسك الذي لا مناص منه بالسيادة الوطنية. وهذا أحد الملامح الأساسية التي ميزت الخطاب الرئاسي طوال الفترة الماضية خاصة مع تواتر الأحداث وتصاعد المواقف المتضاربة من الأطراف السياسية ومن المنابر الإعلامية داخليا وخارجيا.
وتأتي هذه الرسائل هذه المرة وتونس تستعد بشكل حثيث لإجراء انتخابات رئاسية في غضون ما يزيد قليلا عن شهر ونصف ومع انحسار السباق الرئاسي المنتظر بين ثلاث شخصيات من بينها الرئيس الحالي قيس سعيد وبالتالي يبدو الحديث عن السيادة مهمّا بل وخطيرا في الآن ذاته.
وأما مناسبة هذا التأكيد فهو لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس الحكومة كمال المدّوري والذي تطرق فيه الى موضوع الانتخابات واعتبرها محطّات دورية تتيح للشعب صاحب السيادة ان يختار بكل حرية وفي كنف احترام القانون.
ورغم ان هذا التذكير قد يبدو بديهيا ومن قبيل المفروغ منه إلا ان بعض التوترات الحاصلة اليوم في المشهد التونسي وتنامي بعض الاشاعات يجعل الحسم مهما وضروريا في هذا السياق.
ويبدو ان هناك من يسعى الى تأجيج الأوضاع وفق ما جاء في البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية وافتعال الأزمة تلو الازمة في هذا القطاع او ذاك. مما يشي بأن هناك أطرافا من مصلحتها التشويش على الانتخابات والتأثير على الرأي العام وتوجيه الناخبين والمسّ من إرادتهم بطرق مباشرة او غير مباشرة.
وهذا ما نبّه منه رئيس الجمهورية قيس سعيد ضمنيا وقال بشكل صريح انه لا مجال للتراخي او التسامح مع كل من يقف وراء تأجيج الأوضاع.
وإذا كانت هذه الرسالة القوية موجهة الى الداخل فإن هناك رسائل تتجه الى الأطراف الخارجية وفحواها واضح وجليّ وهو ان تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة ويرفض شعبها ان تتدخل فيه أي دوائر من الخارج ومضى الرئيس أبعد واكثر دقة ومكاشفة وهو يؤكد على ان هناك رفضا من قبل الشعب «ان يكون النظام داخل الدولة خادما مطيعا لهذه الدوائر وذيلا ذليلا يؤمر فيفعل ويستجيب».
ومعلوم ان الانتخابات في تونس شكلت على امتداد السنوات التي تلت 2011 فرصة سانحة لعديد الأطراف الأجنبية لتدلي بدلوها بأشكال مواربة في الشأن التونسي سواء عبر وسائل الاعلام وفتح المنابر أمام أطراف سياسية بعينها ودعمها بطرق مختلفة أو عبر تكتّل «اللوبيات» الخارجية التي تشكّل قوى ضغط من أجل التأثير على إرادة الناخبين أو عبر توفير اعتمادات مالية عن طريق بعض الجمعيات أو الحسابات الوهمية وغيرها من الأساليب من أجل دعم بعض المرشّحين أو حتى من خلال الاشتغال على صورة هذا المرشح او ذاك او هذا التيار السياسي او غيره وتقديمه في الصورة المثلى من أجل أن تكون معالم الطريق أمامه ميسّرة ليحقق الفوز المأمول.
ولعل جميعنا يذكر كيف تمكنت كتلة سياسية معينة صاحبها مقيم في الخارج وعبر قناة تلفزية معلومة من توجيه الرأي العام والتزلف الى عموم التونسيين عبر بيع الأوهام وتمكنت هذه الكتلة من الفوز في انتخابات المجلس التأسيسي الذي تم تركيزه في أواخر عام 2011.
كما ان النفخ في صورة بعض المرشحين الذين ثبت لاحقا انهم ملاحقون قانونيا قد تمكنوا من اقتلاع مقاعد في البرلمان المنحل وذلك بسبب دعاية سياسية وإعلامية تقاطع فيها الداخلي مع الخارجي.
ولأنه لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فمن الطبيعي ان نتيقظ جميعا لأي تدخل أجنبي بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولعلّه لا يخفى على أحد اليوم أن منطقتنا في قلب لعبة الأمم وأن بلادنا ليست بمنأى عن صراعات الأقطاب والأحلاف وان هناك نوايا واضحة للسيطرة على القرار التونسي بطرق مختلفة وليس أفضل من الانتخابات الرئاسية المقبلة لاستجلاء هذه النوايا.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…