ليبيا في دائرة العنف مرة أخرى ولم تنجح في مغادرة منطقة التوتر التي تعيش فيها منذ شتاء 2011 وفشل الفرقاء الليبيون في إيجاد حل ليبي صرف يجمع شتاتهم دون الحاجة الى التدخل الاجنبي.
وما فتئ الوضع الأمني والسياسي يزداد سوءا حتى أن السلطات الامريكية حذرت منذ أيام رعاياها من مغبة التواجد في هذا البلد، متوقعة ضمنيا حدوث ما لا يحمد عقباه في هذه الفترة ولم يطل الامر كثيرا حتى أعلن عن اختطاف مدير تقنية المعلومات بالبنك المركزي الليبي مصعب مسلم. وهو ما حدا بهذه المؤسسة البنكية المهمة الى إيقاف كل معاملاتها المالية الى حين استعادة المسؤول المخطوف من أمام بيته في العاصمة طرابلس من قبل مجهولين. وهذا يعني قطعا شللا تاما في البلد ماليا واقتصاديا.
هذا ويجدر التذكير أن البنك المركزي الليبي كان قد تلقى تهديدات متواترة من قبل تتعلق بسلامة أنظمته وأمن موظفيه. ويبدو ان هناك صعوبات في تأمينه في ظل الفوضى المعلومة في البلاد.
والحقيقة ان هذا كله نتاج جمود سياسي يعيشه المشهد الليبي منذ فترة ألقى بظلاله على كافة مناحي الحياة ومن الطبيعي أن تصل تداعياته الى المؤسسة المصرفية الأهم في البلاد خاصة إذا علمنا أن هناك علاقة متوترة جدا بين محافظ هذه المؤسسة المالية والسلطات الحاكمة في طرابلس التي تسعى الى اقالته وتعتبره منحازا للبرلمان القائم في الشرق الليبي الذي لا يخفي بدوره دعمه المطلق لهذا المحافظ.
ومن البديهي هنا أن يكون الصراع سيد الموقف خاصة بعد ان أدار الجميع ظهورهم، ويبدو أن هناك مصلحة في تأبيد المحنة الليبية. والخشية الأكبر الآن هي في انهيار اتفاق جنيف الواهي بطبعه والعودة الى مربع الاقتتال مع الانقسام الحاد وغياب مؤشر جدي لإمكانية إجراء انتخابات تنهي مرحلة الجمود السياسي وتضع ليبيا على طريق الانتقال الديمقراطي.
والحقيقة أن المزاج المحلي في هذا البلد لا يبدو انه يميل الى التوافق والانسجام كما ان الإرادة الدولية وحتى الإقليمية لا تبدو معنية كثيرا بالاستقرار بل من مصلحة الكثيرين ان يتواصل التوتر وان تعود الاضطرابات الى ذروتها.
إذن ليبيا أمام مأزق جديد ولا تبدو هناك آفاق حلول على المدى المنظور خاصة مع تمترس الفرقاء السياسيين كل على موقفه الصلب ومع الأطماع الخارجية للأطراف المتكالبة على كعكة النفط الليبي التي أسالت لعابهم وما تزال منذ فيفري 2011.
والواضح أن الأزمة في ليبيا تتخذ بعدا جديدا ونحن في تونس معنيون أكثر من غيرنا بهذا الموضوع فعلينا الاقتناع بأن مقولة أمن تونس من أمن ليبيا ليست أسطوانة مشروخة او لغة خشبية بل هي واقع ملموس أثبتته الوقائع التاريخية في اكثر من محطة مفصلية.
وعلى هذا الأساس من المهم ان نكون في تونس منتبهين لما يحدث في ليبيا انتباها دقيقا وذكيا يترتب عنه فعل سياسي وأمني واقتصادي.
فالأمني معلوم وهو توخي أقصى درجات الحذر والجاهزية بالنسبة الى قواتنا المسلحة المرابطة على الحدود الشرقية لحماية وطننا وسلامة ترابه من أي ارتدادات فوضى محتملة في البلد المجاور. اما سياسيا فنحن مدعوون الى ان نكون لاعبا مركزيا في كل الأحداث الليبية طبعا دون تدخل سافر في الشأن الداخلي لهذا البلد الشقيق لكن دورنا مهم وعلى ديبلوماسيتنا التحرك بما يسمح به المقام.
واقتصاديا من المهم ان نتخذ إجراءات حمائية دقيقة لحماية أمننا الغذائي خاصة في ظل بعض الانفلات الذي ينبغي الانتباه إليه بالإضافة إلى العمل على إيجاد حلول للأزمة الليبية مع باقي الأشقاء من الدول المجاورة سواء الجزائر أو مصر أيضا من أجل أن يكون الحل ليبيا في المقام الأول ومغاربيا ثم عربيا في المقام الثاني.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…