في غمرة احتفالنا بيوم العلم وتتويج نخبة من التلاميذ والطلبة المتميزين في الموسم الدراسي 2024 والحاصلين على افضل المعدلات على المستوى الوطني يأتينا خبر إيجابي جدا وهو تبوّؤ إحدى جامعاتنا وهي جامعة تونس المنار مكانة متميزة في تصنيف شانغاي لأفضل 1000 جامعة في العالم للعام الحالي وهو حدث بالغ الأهمية في تقديرنا ويحضنا على التفكير بشكل مغاير في المسألة التربوية والتعليمية بل وفي صناعة المعرفة والذكاء اجمالا في بلادنا.
وهنا يحق لنا ان نطرح بعض الأفكار العامة بشأن مكانة التعليم والبحث العلمي في بلادنا.
فمعلوم ان المنظومة التربوية والتعليمية والأكاديمية في تونس قد أصابها «قرح» كبير فقد تأذّت بشكل مباشر منذ حوالي عقدين من الزمن وتراجع توهجها جراء السياسات الخاطئة والمرتجلة وغير المدروسة في هذا القطاع الحيوي. كما أننا لا نستطيع ان ننكر ان التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية التي عاشتها بلادنا في العقد الأخير قد تركت آثارها على تمثل المجتمع لمفهوم التربية والتعليم وتراجع مكانة العلم في التصورات والرؤى العامة دون ان نغفل عن معطى بالغ الأهمية وهو تعطل المصعد الاجتماعي الذي جعل الأجيال الجديدة تغير منظارها لمفاهيم النجاح والترقي الاجتماعي والرغبة التي اجتاحت كل الفئات والطبقات في الربح السريع وتبخيس مفهوم «الكفاح» والمثابرة كقيم ومعايير اجتماعية بدأت تختفي لدى غالبية التونسيين.
هنا تستوقفنا المؤشرات المذكورة أعلاه فرغم ما سردناه من تفاصيل تركت آثارها على منظومتنا التربوية والتعليمية ومجالات البحث العلمي عندنا الا ان التعليم صامد رغم كل الهنات وكل الثغرات والصعوبات التي تكابدها المنظومة وصموده يكمن في ان مكانة العلم ما تزال على قدرها واهميتها في المخيال الجماعي للتونسيين تماما كما ما تزال الدولة تراهن على التعليم .
وتابعنا في الآونة الأخيرة مساعي حثيثة من أعلى هرم السلطة لإعادة الاعتبار للتعليم وللعلم كمعيار لرقي الشعوب وتقدمها وها أننا نحتفي بالعلم كعيد لتكريم المتفوقين واعلاء قيمة الذكاء والتفرد وكذلك قيمة الكفاح والاجتهاد والمثابرة. وهو ما يؤتي أكله بطرائق مختلفة من ضمنها وصولنا الى مكانة مهمة في ترتيب الجامعات عالميا عبر جامعة المنار.
كما يتجلى في رهان الأسرة التونسية على التعليم بشكل يندر مثيله في بلدان تشبهنا او نتقاطع معها في ظروفنا العامة فالمكانة التي يوليها التونسي للعلم ماتزال مهمة جدا كما ان اجتهاده بل ومعاناته من اجل تدريس الأبناء حتى يبلغوا اعلى المراتب علميا تستحق التوقف عندها.
كما ان ظاهرة تمدرس البنات في بلادنا تعكس حيوية هذا المجتمع وانفتاحه وقد أعطت نتائجها من خلال وجود التونسيات في أعلى قائمة ترتيب الباحثات على المستوى العربي والافريقي وهذا ما كان ليكون لولا المشروع التحديثي الرائد في تونس والإرادة السياسية التي مهدت لكل هذا ولولا وعي الأسر بأهمية تثقيف المرأة وتعليمها.
وكلها معالم عامة يمكن ان نبني عليها ونحن قاب قوسين أو أدنى من إنشاء مجلس أعلى للتربية سيكون له الدور الأكبر في خلق دينامية في المنظومة التربوية وتحسينها وتطوير أدائها حتى تكون قاطرة للنهوض الاجتماعي.
والحقيقة اننا نحتاج الى الانشغال بالتربية والتعليم والبحث العلمي في مختلف المراحل بدءا بالحضانة وصولا الى الدراسات الاكاديمية العليا.
وهذه سبيلنا لبناء الانسان التونسي من جديد والقطع مع كل الأدران التي علقت بمجتمعنا في مراحل مختلفة من تاريخه ويمكننا ان نمضي بعيدا وان نحقق اقلاعنا المنشود منطلقين من أرضية صلبة تركها المؤسسون سواء في مجال التعليم والبحث العلمي او باقي القطاعات، فيمكننا ان نستلهم من ماضينا وان نعوّل على كفاءاتنا النوعية حاليا.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…