2024-08-18

تواصل النسق المحتشم للاستثمارات الاجنبية المباشرة الى حدود السداسي الأول: 6 بالمائة فقط من مجمل الاستثمارات مشاريع جديدة والبقية مشاريع توسعة

بلغت الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى حدود السداسي الاول من السنة الحالية ما قيمته 1388,9 مليون دينار مسجلة بذلك زيادة بنسبة 13,8 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الفارطة وبالنظر الى مصدر هذه الاستثمارات تشير بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي الى ان 6 بالمائة منها فقط هي مشاريع جديدة بقيمة 77,2 م د مكنت من احداث حوالي 783 موطن شغل جديدة فيما تمثلت باقي الاستثمارات اي 94 بالمائة من مجمل الاستثمارات المسجلة في مشاريع توسعة بقيمة 980 م د أفضت الى زيادة في مواطن الشغل بـ 4037 موطن شغل جديد .

وبالنظر الى التوزيع الجغرافي لهاته الاستثمارات يلاحظ تمركز اكثر من نصفها بتونس الكبرى يليها بنسبة تجاوزت 26 بالمائة في الشمال الشرقي ويذكر ان فرنسا قد احتلت المرتبة الاولى في قائمة البلدان المستثمرة ثم ايطاليا فالمانيا واسبانيا واحتلت قطر المرتبة الخامسة . وتشير هذه الارقام بوضوح الى تواصل النسق المحتشم للاستثمارات الاجنبية وضعف الاحداثات الجديدة القادرة على توفير القيمة المطلوبة لدفع الاقتصاد والمساهمة الفعالة في تحقيق نسب النمو المنشودة على الرغم من تنظيم عديد الفعاليات الاقتصادية اللاهثة وراء تحفيز فرص الاستثمار وجلب الاستثمارات المدرة للعملة الصعبة وهو ما يدعونا لطرح جملة من الاسئلة لتقييم مردودية هاته التظاهرات ومدى جدواها وفاعليتها بالنظر للنتائج المتحصل عليها في ظل اقتصارها او لنقل تحولها لمواعيد لجمع القروض والهبات والمنح والمساعدات والنظر ايضا في المنهجية المعتمدة عموما في استقطاب الاستثمارات ، هي اسئلة كثيرة تحوم حول مدى قدرة تونس على التموقع بشكل جاذب في خارطة البلدان المستقطبة للاستثمار؟ حول مدى فاعلية ترسانة التشريعات المحفزة والامتيازات السخية مقابل مردود ضعيف؟ حول الحصيلة التي ما تزال دون المأمول رغم سن عديد القوانين الجديدة بغاية تشجيع الاستثمار؟ حول الاصلاحات المطلوبة؟ وملامح صورة تونس الجديدة التي نريد وسياسات الدولة في ما يتعلق بالملف الاقتصادي في الفترة المقبلة؟

حصيلة دون المامول

من الاكيد ان الاجابة عن كل هذه الاسئلة ليست مجهولة لدى المتدخلين والعارفين بالمجال لانها تتلخص فقط في إجابة بسيطة واضحة وهي ضرورة توفر مناخ استثماري مريح مبني اساسا على الثقة والوضوح ، ومن الطبيعي ان يكون هذا المناخ المطلوب ليس فقط تشريعات جافة وحوافز سخية بل هو نتاج تفاعل جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على ثقة المستثمر وتعمل على تشجيعه وتحفيزه على استثمار أمواله في دولة ما دون أخرى تتميز ببيئة اقتصادية مستقرة ومحفزة وجاذبة للاستثمار وبعدم وجود عجز مقلق في الميزانية العامة ويقابله عجز مقبول في ميزان المدفوعات ومعدلات متدنية للتضخم وسعر صرف غير مغال فيه وبنية مؤسسية مستقرة وشفافة. ومما لا شك فيه ان المناخ المبني على الاريحية والثقة يتغذى اساسا بوضوح الرؤية الاقتصادية. وقبل الخوض في ما مدى توفر هاته الشروط في المشهد الاقتصادي  في بلادنا من الضروري التذكير باهمية الاستثمار كاحدى الركائز الاساسية التي لا غنى عنها في تحريك اي اقتصاد وهو مساهم بارز وفعال في خلق النمو والثروة فلا يمكن الحديث عن الاقتصاد من دون التركيز على عنصر الاستثمار بمكونيه الاثنين الداخلي والخارجي لانه القاعدة الذهبية لأيّ نجاح يوفر العملة الصعبة وينعش ميزانية الدولة ويجعلها قادرة على تأمين نفقاتها وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين وهو كذلك المدخل الأكثر فاعلية لتوفير مواطن الشغل وحل أزمة البطالة الخانقة.

مناخ اعمال هش مرتهن لعديد المعوقات

تتفق مجمل الدراسات المنجزة حول واقع الاستثمار في بلادنا على هشاشة مناخ الاعمال وارتهانه لجملة من المعوقات والصعوبات المكبلة لتطوره فلا تزال بيئة الأعمال في تونس دون مستوى تطلعات أصحاب الأعمال والشركات المحلية والأجنبية  وكذلك المؤسسات المالية الدولية التي ترى أن المناخ العام للبلاد لا يسمح بجذب المستثمرين . قائمة معوقات الاستثمار حسب مجموعة من الاستبيانات شملت الفساد بداية من سنة 2019 والمناخ الاجتماعي والتمويل البنكي والمعاملات في السوق لتتوسع القائمة من جديد سنة 2022 وتشمل عنصر الجباية والأداءات والقضاء والإجراءات الإدارية المعقدة.

ولا يزال الفساد الى يومنا هذا يحتل المرتبة الأولى ضمن أكثر المجالات المعوقة لمناخ الأعمال في ظل غياب إصلاحات جريئة ويكفي التذكير بتقرير مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية والذي أظهر أن تونس تراجعت بـ15 مرتبة سنة 2022 على هذا المؤشر، واحتلت بذلك المرتبة الأسوأ في تاريخها وهي المرتبة الثامنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما وجب التذكير بتقرير البنك الدولي حول مؤشر مردودية الموانئ الذي صنف ميناء رادس بسبب الفساد المستشري فيه في المرتبة 237 على 370 ميناء في العالم وهو تصنيف سلبي ورديء .

كما مثل غياب الاستقرار الجبائي في السنوات الاخيرة وعدم استقرار الإجراءات الجبائية المتغيرة بصفة مستمرة سنويا وترفيع بعض النسب وإضافة معاليم جديدة مشكلا وعقبة تقلق المستثمرين فمعلوم ان استقرار الأحكام التشريعية او مايعرف بمبدإ الثبات التشريعي عامل جذب هام يخدم المستثمر الأجنبي ويعد بالنسبة له الأمان القانوني الكافي هذا بالاضافة الى المنظومة الإدارية التي كانت وما تزال من ابرز معوقات الإستثمار في بلادنا .

ضرورة تغيير المعادلة

مما لا شك فيه ان لغياب منوال تنموي واضح على امتداد الـ 14 سنة الاخيرة تاثير سلبي كبير على الوضع الاقتصادي المنهك بطبعه ، وقد بات من الضروري اليوم تعديل المعادلة والالتفات الى بناء اقتصاد قادر على مواجهة الأزمات من خلال تحسين جاذبية الاستثمار كآلية اساسية للنهوض والتطور وخلق الثروة والنمو واعادة الثقة لمناخ الاعمال ليحقق انطلاقة جديدة مع التركيز في البداية على الاستثمار المحلي العمومي بما يسمح بتشجيع الفاعلين الاقتصاديين في الداخل ويجذب الاستثمار الخاص الذي يمهد لجذب الاسثمار الخارجي والشراكات الاستثمارية التي لاتعيقيها المسافة ولا الأفكار .

من الضروري ايضا العمل على دفع كل محركات التنمية التي تضمن خلق مواطن شغل لامتصاص أزمة البطالة التي اصبحت هيكلية والتي تنذر بازمة مستقبلية عميقة وهنا وجب الانتباه الى التصريح الخطير لنائب رئيس البنك الدولي المكلّف بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط فريد بالحاج الذي حذر مؤخرا دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط من أزمة بطالة تطال 300 مليون شاب عربي، في حال لم تبادر هذه الدول الى تنفيذ إصلاحات شاملة كبرى من شانها ان تخلق مواطن شغل جديدة في القطاع الخاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الاستراتجية الوطنية للصناعة والتجديد في أفق 2035 : إعداد دراسة شاملة وتحيين أخرى قطاعية لتحديد تموقع الصناعات الغذائية دوليا

تم مؤخرا تحديث 10 دراسات قطاعية تتعلق بتحديد التموقع الاستراتيجي للصناعات الغذائية التي ان…