كثر الحديث في الآونة الأخيرة في كواليس السياسة عن التحوير الوزاري المرتقب والذي يرى البعض انه لابد من أن يكون شاملا ولا يستثني سوى وزارات السيادة وذلك لضخ دماء جديدة في الفريق الحكومي وبحثا عن «سير وزارية» تتسق مع حاجيات المرحلة ومتطلباتها ويسهل التناغم بينها والتنسيق وهو ما يبدو امرا حتميا في أفق المرحلة المنظورة وثمة من يرى اننا نحتاج أولا وبالذات الى سد الشغور ومعلوم أنّ هناك عديد الوزارات على  غرار النقل والثقافة والشؤون الدينية يتم تسييرها بالنيابة منذ ان تم اعفاء الوزراء الذين كانوا على رأسها وبالتالي لابد من تكليف من يتولى هذه المناصب في اقرب وقت ممكن من اجل انطلاقة جديدة للعمل الحكومي.

في حين يرى آخرون أن رئيس الحكومة الجديد السيد كمال المدوري مدعو الى تقييم أداء الفريق الحكومي بأكمله وعلى هذا الأساس يتم التحوير فيتم من ناحية سد الشغور في الوزارات المذكورة وتكليف وزراء جدد على قاعدة الكفاءة والنزاهة واعفاء من لم يتمكن من تحقيق المنجز المطلوب منه على رأس هذه الوزارة او تلك من ناحية أخرى.

والأكيد أن المرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس والتحديات الكبرى التي تواجهها ونحن قاب قوسين أو ادنى من استحقاق انتخابي مهم يتطلب النجاعة والدقة في تحديد الأهداف وتنفيذها فلم يعد هناك مجال للتباطؤ او التراخي بخصوص الملفات الحارقة التي تؤرق التونسيين الذين طال انتظارهم وما تزال أحلامهم معلّقة لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تحقيقها وتلبية المطالب التي كانت شعارات رفعوها ذات شتاء وسطا عليهم سياسيون من جل الاطياف والتيارات غير عائبين بتلك الصرخات.

وتقتضي المصارحة اليوم القول بأن تونس تعيش الكثير من الأزمات التي لابد من مجابهتها بخطط ذكية ودقيقة وبعمل جاد ومضن وبالاعتماد على الذات والتعويل على القدرات التونسية من اجل إعادة قطار التنمية الى سيره الطبيعي وتحقيق كل فرص العيش الكريم للتونسيين بكل فئاتهم وشرائحهم الاجتماعية على أساس من المساواة المطلقة.

إذن من أوكد الأولويات اليوم القيام بتحوير وزاري جزئي او كلي يرفع فيه لواء الكفاءة والاقتدار خاصة في مجال الحقائب الاقتصادية والتقنية من اجل الفعل والانجاز وهو ما تحتاجه تونس التي لم تعد تحتمل الانتظار وقد أضاع عليها حكم الهواة لمدة عقد من الزمن عديد الفرص لتحقيق الإقلاع الاقتصادي.

وما دمنا في باب المكاشفة ونحن نترقب تحويرا وزاريا مهما فمن المفيد التذكير ببعض الملفات الشائكة والتي ما تزال عالقة وتحتاج الى حنكة وحوكمة رشيدة لحلها.

وهذه الملفات يتقاطع فيها الاجتماعي مع الثقافي مع الاقتصادي مع الصحي والبيئي والتربوي وغيرها. وسنكتفي هنا بالإشارة الى بعض النماذج.

فما يزال ملف الهجرة السرية مثلا صداعا يقضّ مضاجع فئة من التونسيين خاصة في ولاية صفاقس على سبيل الذكر لا الحصر دائما.

أما الملف البيئي فهو معضلة كبرى والحقيقة ان وزراء  البيئة المتعاقبين منذ سنوات لم ينجحوا في حلحلة الملفات المطروحة في هذه الوزارة فما تزال إشكالية تثمين الفضلات قائمة والمصبات العشوائية وغيرها وقد تغير وجه تونس في العقد ونصف الأخير تماما عن ذاك الذي كنا نعرفه.

كما أن قضية الإصلاح التربوي بالغة الأهمية  وهي التي لاحظنا بوادر مبشرة في الآونة الأخيرة لبدايتها خاصة مع مبادرة رئيس الجمهورية بإنشاء مجلس أعلى للتربية.

أما إشكالية النقل العمومي فهي جزء من مكابدة المواطنين التي لابد من وضع نقطة النهاية لها بتطوير اسطول وسائل النقل وتحسينها وهو أيضا أولوية  مؤكدة. وفي السياق ذاته لا ننسى مشاكل الطاقة والعجز الطاقي الذي تعيشه بلادنا والذي يستلزم حتميا مباشرة الاستثمار في الطاقات البديلة او النظيفة التي طرحت في تونس منذ بدايات الالفية الجديدة لكن مع التغييرات التي حدثت بعيد 14 جانفي 2011 قبرت كل تلك الاستراتيجيات.

ومن بينها أيضا استراتيجية المياه والسدود ومجابهة الشح المائي الذي تم استشرافه في تلك السنوات وها أننا نعيش اليوم تداعياته علينا بشكل ملموس ومحسوس وبالتالي فلابد من الاستلهام من تلك التجربة وخاصة الدراسة التي اعدها الراحل عامر الحرشاني الملقّب بأب السدود في تونس من اجل تطوير مواردنا المائية لاسيما وان هناك بوادر إيجابية تتمثل في انطلاق وحدات تحلية المياه بصفاقس وقابس.

وفي السياق الصحي وبالإضافة الى التردي الكبير الذي عليه اليوم المؤسسات الاستشفائية في بلادنا فإن هناك ظواهر أخرى خطيرة ومحيّرة.

فلم يعد من المسموح به اليوم ان يفتك مثلا داء الكلب بالتونسيين  ومن المعيب ان يتم  تسجيل 9 حالات وفاة بهذا الداء الخطير سنة 2024 والرقم مرشح للارتفاع  وهو الرقم الذي تم تسجيله منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة فهل تأخرت تونس في المجال الصحي الى هذا الحد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مع انطلاق الحملة الانتخابية: ولا ولاء لغير البلد

 تنطلق اليوم رسميا الحملة الانتخابية داخليا بعد ان تم ذلك بالنسبة الى الخارج يوم 12 من الش…