2024-08-15

المشاركة التونسية في الميزان : ثـانــي حصـيـلة في الــتـاريخ بعـد دورة لنـدن لكن..

أسدل الستار على الدورة الثالثة والثلاثين للألعاب الأولمبية بالعاصمة الفرنسية باريس غير أن أحداثها لم تنس وصورها باقية لن تمحى بسرعة وبهذه السهولة بالنسبة للعارفين بخفايا الأمور والمتعودين على مواكبة أكبر حدث رياضي يقام في المعمورة.

ورغم نهاية المنافسات وبداية الحديث عن المستقبل ومستقبل الألعاب الأولمبية التي باتت عبءا ماليا ثقيلا على البلد المنظم وعلى المرشحين المحتملين في استضافة الدورات القادمة بداية من عام 2036، فإنه لا حديث في الأوساط الرياضية الرسمية والإعلامية إلا عن الحصيلة والتقييم.

ونحن نعتقد أن التقييم يجب أن يتم بكل هدوء وبعيدا عن التعصب والتّزمت والتهجم على الجامعات الرياضية أو السلطات المسيرة للرياضة من وزارة ولجنة أولمبية، لكن يتعين على هؤلاء أخذ العبرة من دروس الماضي وعدم ارتكاب الأخطاء نفسها بالاعتماد على الأشخاص أنفسهم والوسائل نفسها عند التقييم وحتى تكون نتائج التقييم أقرب ما يمكن إلى الواقع وتنبثق عنها اقتراحات عملية وواقعية ويمكن أن تتقدم بالرياضة التونسية وتجعلها تتطور وتنمو وتحقق القفزة النوعية المنشودة على النحو المطلوب….أما أن تجمع نفس الوجوه المساهمة في الرداءة التي وصلتها الرياضة عندنا لتسجيل نشاط وكتابة تقرير وذر الرماد على العيون مثلما حصل بعد دورات لندن وريو وطوكيو فذلك لا يعدو أن يكون إلا ضحكا على الذقون وتمضية وقت لأشخاص غابت عنهم كل المهنية في التعامل مع الماضي والحاضر والمستقبل.. ذلك هو رأينا اعتمادا على متابعتنا لما يجري ويدور وما سجلناه من ملاحظات على امتداد عقود طويلة قضيناها في هذا المكان وفي هذا الحقل المتجدد في كافة أنحاء العالم إلا عندنا فهو أبتر أصم لا يرى ولا يسمع، ماض في تعنته رغم كل شيء….

ليست نتاج عمل وتخطيط بل ضربة حظ كالعادة

ولعل من يطّلع لأول وهلة على الحصيلة التونسية مقارنة ببعض الدول الأخرى العربية منها والإفريقية يسجل ارتياحا كبيرا للنتائج المسجلة بحصول تونس على المركز 52 متقدمة على عديد البلدان المتقدمة والأفضل منا على أصعدة متعددة ليس على الصعيد الرياضي فحسب. فبين طوكيو 2020 التي شاركت فيها تونس بوفد مضاعف عدديا نجد أن تونس تقدمت في الترتيب بستة مراكز باحتلال المرتبة 52 مقابل 58 في الدورة  الماضية رغم الفارق في عدد المشاركين وفي عدد الرياضات.

ثم أن حصيلة ثلاث ميداليات واحدة من كل معدن تعتبر حصيلة جيدة مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى التي شاركت بوفود تفوق الوفد التونسي ولم تسجل نفس الإنجازات، فبهذه الحصيلة احتلت تونس المركز الثالث على الصعيد العربي والسادس على الصعيد القاري. وهو ما يجعل الرياضة التونسية تسجل تقدما ملحوظا مقارنة بترتيبها العربي والقاري على مستوى عدد المشاركين الرابع والتاسع على التوالي.

ثم أن هذه الحصيلة تعتبر إيجابية إذا ما اعتبرنا المعدل العام والذي هو عشرة بالمائة ونحن بوفد يضم 26 رياضي أحرزنا ثلاث ميداليات بنسبة تفوق 10 بالمائة، وهذا يعتبر إنجازا آخر للرياضة التونسية التي سجلت انضمام التايكوندو إلى قائمة الرياضات المتوجة بالذهب الأولمبي ونعني العاب القوى والسباحة ثم التحاق هذا الرياضة بالرياضات التونسية الفائزة بأكثر من ميدالية أولمبية في نفس الدورة وصعودها في الترتيب إلى المركز الثالث على مستوى عدد الميداليات برصيد جملي بأربع ميداليات منذ برنزية أسامة الوسلاتي في ريو 2016 إلى الذهبية الأولى للقارة الإفريقية وللعرب التي أحرزها بطلنا الرائع فراس القطوسي مفخرة الرياضة التونسية مرورا بميداليتي خليل الجندوبي الفضية في طوكيو والبرنزية بباريس.

غير أن فوز التايكواندو بميداليتين لا يعني أن الأمور تسير عال العال في الجامعة وفي هذه الرياضة على الصعيد المحلي ولو كانت هذه الرياضة تسّير بالطريقة المنشودة لاعتلى كل ممثلينا منصة التتويج بحكم سهولة الحصول على ميدالية في هذه الرياضة مقارنة برياضات أخرى.. ولذلك فإن هواة القفز على الأحداث يتعين عليهم البقاء في أماكنهم والجديد آت لا محالة في هذه اللعبة بالذات.

وعلى صعيد آخر ففي ظل غياب روسيا وتخلص رياضيينا من منافسيهم الروس الذين كثيرا ما تقابلنا معهم وانسحبنا لقوة قاهرة في مختلف الرياضات، فقد كان بالإمكان أن تكون الحصيلة التونسية أفضل لو وفّرت الدولة ممثلة في وزارة الرياضة واللجنة الأولمبية الإمكانيات المطلوبة لإعداد مختلف أبطالنا وبطلاتنا المترشحين ولو توفر ما كان يجب رصده  لمختلف منتخباتنا في الرياضات الفردية التي ظلت مهمشة من وزارة الرياضة قبل غيرها. ولو أنجزت الوزارة ما تعهدت به لأمكن لتونس أن تشارك بعدد مضاعف في باريس، وأن يعتلي عدد أكبر من أبطالنا منصات التتويج. والثابت أنه من لم يستطع توفير أزياء موحدة لممثلينا في أكبر حدث رياضي في الكون لا يمكنه أن يفعل أي شيء ينفع، فاليد الفارغة لا يمكنها أن تقدم أي شيء رغم كل الكلام المعسول الذي قيل وسيقال للتسويق بوجود تخطيط علمي وبرمجة مسبقة واستراتيجية وهي في الواقع عبارات مضحكة كثيرا ما اعتدنا سماعها مثل الأغاني القديمة.. لأن خطبهم لم تتطور وباتت غير مسايرة للعصر ما تسبب في نفور الشباب الذي يريدون استقطابه والاعتماد عليه في حملاتهم الدعائية…

ثم يتعين قول الحقيقة الواقعة التي لا مفر منها والتي لا يريدها أهل القرار وبعض الذين يرومون إخفاء الحقائق أن الميداليات التي تم إحرازها لم تكن نتاج عمل وتخطيط واجتهاد بقدر ما هو جهد للأبطال أنفسهم ولبعض المقربين من المحيطين بهم والمؤمنين بمهاراتهم وبقدرتهم على البروز والتألق . فهؤلاء المتوجين من كان  من المسؤولين عن الرياضة يراهن أو يضع عليهم فلسا لتفوقهم في باريس واعتلائهم منصات التتويج. لا شيء ولا أحد… بل إنها الصدفة والحظ الذي طالما جعل عددا كبيرا من المواهب تتوقف في منتصف السير وعددا آخر يضيع في الزحام وعدد قليلا يجد بعض الحظوة فيتوهج ويسطع نجمه وينجو من دخول عالم النسيان، ولكن في بلدنا الذي لا يعير اهتماما وقيمة للأبطال  سرعان ما يشمل النسيان الجميع طال الزمن أو قصر فاز بميدالية أم لم يفز، ولعل عدم وجود البطل الأولمبي الأسطوري محمد القمودي ضمن البعثة الأولمبية التونسية وعدم دعوته للأولمبياد منذ آخر ميدالية أحرزها  في مونيخ 1972 مثال سيء لثقافة غير موجودة هي ثقافة الاعتراف بالإنجازات والأبطال عندنا ولدى كل هؤلاء المسؤولين الذي جاؤوا للحقل الرياضي وهم في الواقع ليس لهم فيه لا ناقة ولا جمل ومكانهم الأصلي في فضاء آخر…

وتمعنوا في السيناريو الذي حفظه الشعب التونسي بأسره يستقبلون الأبطال بالزهور ثم يوصدون أمامهم الأبواب ولن يعيرونهم أي اهتمام بعد ذلك ولعل ما حصل للبطل الأولمبي والعالمي أيوب الحفناوي يغنينا مؤونة التعليق…

فنحن نعرف جيدا أن العديد من أبطالنا لو لم تضحّ عائلاتهم وتحمّلت نفقات دراستهم والتدرب بالخارج لما تمكنوا من الترشح للألعاب الأولمبية ثم أن فارس الفرجاني الذي تبنى البعض إنجازه وجعله ثمرة عناية الوزارة فإنه وجد نفسه دون منحة طيلة سنتين وهو يقيم بالولايات المتحدة الأمريكية والسؤال أين كان هؤلاء عندما كان الفرجاني في حاجة إلى مساندتهم وفض مشاكله المالية. ثم أن العداءين أحمد الجزيري وأمين الجهيناوي لو لم يتحولا بوسائلهما الخاصة إلى إيطاليا وأمريكا لما نجح كليهما في المشاركة في باريس أو بلوغ الدور النهائي. ولا أريد الحديث عن البقية الذين يقيمون بالخارج ولم تصرف عليهم الوزارة أو اللجنة الأولمبية أي شيء كما لا أريد الحديث عن الرياضيين المترشحين رغم قلتهم والذين شاركوا في الأولمبياد دون مدربيهم ولا أريد التوغل أكثر في هذا المجال، ذلك أن كل الأمور أصبحت واضحة الآن فهل مازلتم مصرين على تبني إنجازات أبطالنا؟؟؟؟

ولعل كل ذلك يجب أن يتغير ولعل الساهرين على تسيير شؤون الرياضة في الحقلين الأولمبي والرياضي عندنا يتحتم عليهم تغيير مقارباتهم وتصرفاتهم وتفكيرهم، ونقصد الحاليين والقادمين أيضا لأن الشباب والرياضة نصف المجتمع عندنا ليسا في حاجة إلى أشخاص من هذا النوع الذين يعيقون التقدم والتطور، بل إن همّ الكثير منهم هو البروز على حساب المجموعة..

هؤلاء ليس لهم مكان بيننا والقادمون عليهم حفظ الدرس لأننا مللنا الكلام ونريد العمل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

نزول‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬دورة‭ ‬باريس: الولايــات‭ ‬المتـحدة‭ ‬تنتزع‭ ‬الصدارة‭ ‬من‭ ‬الصــين‭ ‬وأفـضل‭ ‬حصـيلة‭ ‬للعرب

أسدل‭ ‬الستار‭ ‬مساء‭ ‬الأحد‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الثامن‭ ‬للسنة‭ ‬الرابعة‭ ‬والع…