حتى نسلم من تداعياتها على الفرد والمجتمع : حذار من الإشاعة!
لم تشذّ الليلة الفاصلة بين الثلاثاء 13 والاربعاء 14 أوت 2024 عن بقية ليالي التونسيين في الفضاء الافتراضي وتحديدا في موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك» حيث سرت تدوينة حول إقالة الرئيس المدير العام للشركة التونسية الكهرباء والغاز مثل النار في الهشيم، وتواترت التعليقات بين مرحّب و«شامت» وغاضب ومغتاض، دون ان يفكّر أحد في التثبّت من مدى صدقية الخبر الذي يوجد ما يبرّره موضوعيا لكن لا أساس له من الصحة.
هي إشاعة أخرى مثل إشاعة تنحية والي سيدي بوزيد على هامش الزيارة غير المعلنة لرئيس الجمهورية الى الولاية أول أمس، وإشاعة التحوير العميق في الحكومة الذي شمل خمس أو ست حقائب وزارية بعد تغير رئيسها الأسبوع الماضي، ولم تقف الشائعات عند مسؤولي السلطة بل مسّت أيضا نشطاء المجتمعين المدني والسياسي، والظاهرة وإن لم تكن جديدة فهي ملفتة للاهتمام بحكم أننا في زمن سياسي وانتخابي دقيق سيرتفع فيه منسوب الحملات سواء المساندة أو المعارضة لمنظومة الحكم القائمة.
ومن هذا المنطلق يتوجب الحذر من الإشاعة ومن خطر توظيفها لما لها من قوّة في التأثير في العقول وليس فقط العاطفة، والتحكم بالتالي في السلوك بشكل قد تكون له انعكاسات سلبية على السلم الاجتماعي.
إن للإشاعة نقاط قوّة كثيرة إن جاز القول، فهي تعتمد على الغموض وإخفاء المصدر وهي لا تحتاج إلى مستوى علمي وثقافي وتمرّ عبر استهداف الرموز والمشاهير، ولها قابلية للتصديق لأنها تجد ما يبرّرها في السياق والبيئة التي تنشأ فيها.
صحيح أن التاريخ البشري ارتبط بانتشار الشائعات التي كان قسم منها ناتجا عن غياب الوعي والافتقار لآليات وأدوات التثبّت من الأخبار، لكن القسم الأكبر كان انعكاسا لأزمة قيم في السلوك السياسي والاجتماعي وتمظهرا لانعدام التواصل والثقة بين الفاعلين في المجتمع.
لقد كانت الإشاعة كشكل من أشكال الاتصال الإنساني، وسيلة سياسية واجتماعية وحتى إدارية تُستخدم داخل المؤسسة بكل أنواعها، وازدادت أهميتها نتيجة الطفرة التكنولوجية وتفاقم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تمثل المصدر الأول للشائعات وهذه حقيقة أثبتتها الدراسات العلمية الحديثة والتي أظهرت كذلك أن زهاء 30 بالمائة من البشر يصدّقون الإشاعة..!
أكثر من ذلك، يميّز المختصون بين الشائعات ويصنفونها حسب حجم وشكل الانتشار إلى شائعة سريعة وأخرى زاحفة وثالثة غائصة، وحسب المشاعر الى شائعة الخوف والرعب وشائعة الحقد والكراهية وشائعة الأمل.
والمتأمل في ما يتم ترويجه في الفضاء الافتراضي يقف بسهولة على وجود كل هذه الأنواع من الشائعات، والخشية أن تتفاقم الظاهرة وتخرج عن السيطرة بإثارة المخاوف والكراهية والعداء والتخوين والغضب والتعصّب والعنف والجاهزية والاستعداد لردّ الفعل.
اننا إزاء هذا الواقع الافتراضي في ظاهره، والمؤثر بشكل مباشر في الواقع العملي والمعيشي للتونسيين نحتاج الى كثير من ضبط النفس ومن الحكمة والوجاهة في مقاومة الإشاعة حماية للمجتمع والدولة.
وأقوم المسالك في مقاومة الإشاعة لا تخرج عن الاتصال والتواصل، والبداية بظهور «المسؤولين» في العلن والتحدث للتونسيين ومصارحتهم بالحقائق ودحض الأراجيف فلا شيء يمنع مثلا شركة عمومية من نفي إقالة رئيسها المدير العام، ولا شيء يمنع من يهمّه الأمر أن ينفي التحوير الحكومي أو إقالة هذا الوالي أو المعتمد أو العمدة..
والمطروح على «الرسميين» ينسحب أيضا على الفاعلين في المجتمعين المدني والسياسي من «غير الرسميين»، فالمسؤولية والالتزام والصدق والتحدّي ايضا يقتضي في الكثير من الأحيان الخروج للجمهور وتدقيق الأمور وبيان الأخبار الصادقة من الأخبار الزائفة والمظللة.
ان الاهتمام بالشائعات سلوك اجتماعي، فالإنسان ميّال بطبعه إلى البحث عن الأخبار والمعلومات وخصوصا المتصلة منها بالمشاهير وبالقضايا الكبرى، والإشاعة في نهاية المطاف وسيلة للتنفيس عن حالات الكبت والقلق والعدوانية والتهرب من الشعور بالذنب والرغبة أحيانا في استباق الأحداث وجلب الاهتمام سواء باختيار طريقة الدفاع أو الهجوم عبر الشائعات دائما، وفي كلتا الحالتين نحتاج إلى التخفيف من الآثار السلبية للشائعات التي هي سلاح ذو حدين على الفرد والمجتمع.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…