2024-08-11

مع تسلّم المدّوري رئاسة الحكومة: والتنمية الجهوية ملف حارق..

يعتبر ملف التنمية الجهوية من بين الملفات الحارقة المطروحة على رئيس الحكومة الجديد كمال المدّوري ، حيث تواصل بلادنا اليوم سعيها إلى تجاوز فشل الحكومات السابقة في سعيها إلى تقليـص الفارق بين أعلى وأدنى مـؤشر للتنمية الجهوية من خلال خلق الثروة وإعداد برامج للتنمية وتشجيع الاستثمار في المناطق الداخلية وتجاوز التفاوت بين الجهات التونسية من خلال المضي قدما في ضبط استراتيجيات جديدة والشروع في تنقيح التشريعات ذات العلاقة وإحداث لجنة الصلح الجزائي وتحويل عائداتها للاستثمار في المناطق الداخلية والتشجيع على إحداث الشركات الأهلية وتوفير آليات جديدة للتمويل والمرافقة واتخاذ عديد الإجراءات في اتجاه استحثاث المشاريع العمومية المعطّلة وإطلاق مشاريع جديدة.

هذا التفاوت الجهوي أبرزته مختلف المؤشرات التنموية الصادرة في جانفي الفارط في تقرير وزارة المالية ضمن ملاحق قانون المالية لسنة 2024  والذي يعرض معطيات مهمة حول أهم المؤشرات التنموية في كافة ولايات الجمهورية التونسية قصد تجاوز هذه المطبّات والوصول إلى تحقيق مجمل الأهداف المنتظرة والتي تتلخص في تحقيق التنمية وتقليص التفاوت بين الجهات التونسية.

وكما هو معلوم فقد كشف مؤشر التنمية الأخير لسنة 2021 – وهو مؤشر تأليفي يحتوي على أكثر من 100 متغيّر- عن عدم بلوغ الحكومة الهدف المتعلق بتقليص الفارق بين أعلى وأدنى مؤشر للتنمية الجهوية بنسـبة 30 بالمائة الذي تم تحديده في إطار المخطط التنموي 2020-2016 وقد بلغ نسبة 3 بالمائة فقط، في المقابل يؤكد نفس المؤشر تواصـل التفـاوت بـن الجهات وقد احتلـت الولايات الداخلية المراتب الأخيرة في حين تستمر الولايات الساحلية في المحافظة على صدارة الترتيب.

هذا التفاوت الجهوي يبرزه بوضوح مؤشر التنمية في كل المجالات في المناطق الداخلية وخاصة في ولايات الوسط الغربي التي تحتل لوحدها المراتب الثلاث الأخيرة وفق مؤشر التنمية الجهوية الأخير لسنة 2021  فإذا كان هذا المؤشر يتجاوز 0.5 بالنسبة للولايات الخمسة الأولى وهي ولايات تونس وبن عروس والمنستير وسوسة وأريانة فإنه دون 0.4 بالنسبة للولايات الأربع الأخيرة وهي جندوبة وسيدي بوزيد والقيروان والقصرين.

ومثلما هو جليّ للعيان يبرز هذا التفاوت الذي حافظ على نسقه منذ عقود من الزمن والى حد الآن في مختلف الملفات كغياب التشغيل بسبب ضعف الاستثمار في المناطق الداخلية وغياب التنمية وخلق الثروة وفي قطاع الثقافة والتربية والتعليم من خلال غياب مسارح للعروض والمهرجانات ونحن في ذروة الموسم الصيفي وفترة المهرجانات في كل مناطق البلاد ونعاين عن كثب هذه المسائل ونلاحظ حجم الاختلاف والبون الشاسع بين مسارح وفضاءات عروض المناطق الساحلية  ونظيراتها في المناطق الداخلية التي لا تستجيب  لا لمعايير السلامة ولا للكثافة السكانية بهذه الجهات.

أما في قطاع التربية والتعليم فحدّث ولا حرج  فأغلب المناطق الداخلية تشكو من ضعف البنية التحية للمدارس وخاصة في المناطق الحدودية والنائية وهو  سبب من أسباب العزوف والانقطاع عن الدراسة في هذه المناطق بالذات بمعية أسباب اجتماعية أخرى كارتفاع الفقر جراء غياب التشغيل و ضعف البنية التحتية كالطرقات لتأمين وصول أبنائنا وبناتنا إلى مقاعد الدراسة خاصة في فصل الشتاء في المناطق الجبلية والمسالك الوعرة.

الفوارق بين الولايات الداخلية والساحلية شملت أيضا على مستوى المرافـق الاجتماعية على غرار مؤسسات التكوين المهني والتعلـيم العالي والبنيـة الأساسية الصحيـة متعـددة الاختصاصات والمستشـفيات الجامعيــة والمستشـفيات في اختصاصات محـددة.وتفاوت آخر يتعلق بتوزيع المناطق الصناعية والأقطاب التكنولوجية حيث تستفيد الجهات الساحلية من الحصة الأكبر لهذه المنشآت والتي تتقلص بالاتجاه نحو الداخل.

وجدير بالتذكير أن آخر البيانات تشير إلى توجيه استثمارات جملية للتنمية الجهوية ، في حدود 55.1 مليار دينار ما بين 2021-2016 من بينها 17.4 مليار دينار على شكل استثمار عمومي و 37.7 مليار دينار على شكل استثمار خاص.

وتعمل السلطة التنفيذية ما بعد 2019 على تجاوز هذا التفاوت بين الجهات التونسية من منطلق تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق توجيه الاستثمارات الى المناطق الداخلية وإقرار تحفيزات خاصة في الغرض والتشجيع على إحداث الشركات الأهلية وما صاحبها من آليات جديدة وخلق خطوط تمويل جديدة فضلا عن اقتراح تخصيص اعتمادات مالية لتمويل وإحداث الشركات الأهلية في قانون المالية لسنة 2025.

كما يحتل ملف التفاوت الجهوي اهتمام أعلى هرم السلطة من خلال الدعوات المتكررة إلى التسريع بإحداث المشاريع المعطلة في المناطق الداخلية وخاصة في قطاع الصحة العمومية كمدينة «الأغالبة» الصحية ومشروع المستشفى الجامعي الملك سلمان بن عبد العزيز ومختلف مشاريع التوسعة وإعادة التهيئة والبناء للمستشفيات العمومية والجهوية والمحلية والجامعية.

ونعتقد أن رئيس الحكومة الجديد كمال المدّوري سيلتقط رسائل أعلى هرم السلطة المتكررة في إطار تنفيذ السياسات العامة للدولة والبرامج التي يتم ضبطها في الغرض من أجل خدمة الصالح العام والاستجابة لانتظارات أهالي المناطق الداخلية وتقليص الفوارق الاجتماعية التي صاحبتنا ولازمتنا لعقود من الزمن وإنجاح البرنامج السياسي للبناء القاعدي الذي بدوره يتضمن تصورا عاما  وبرنامجا تنمويا واقتصاديا.

ولإنجاح المسار وهذا التمشي  تم مؤخرا إقرار عدد من المسائل لتشجيع الاستثمار في الجهات الداخلية أو البرنامج الذي تعمل عليه لجنة الصلح الجزائي المكلفة من طرف رئيس الدولة في إطار إرجاع الأموال المنهوبة من قبل رجال الأعمال إلى الدولة وتوجيه تلك الأموال إلى دفع التنمية الجهوية وخلق الثروة وفق مبدإ العدالة والإنصاف.

ونرى أن سعي السلطة التنفيذية المتواصل إلى دفع الاسـتثمار الجهوي وتقليص الفوارق  بالتوازي مع تحسين المرافق على مستوى الجهات الداخلية وتحقيق ذلك بنسبة محترمة ومقبولة من شأنه أن يسهل نفاذها إلى البنى الأساسية الهيكلية الكبرى للنقل الجوي والبحري والى المناطق اللوجيستية وينهض بالنمـو الاقتصادي ويساهم في تنامي فـرص التشغيل وتقوية الدخل وتحسـن نوعية الحياة وتنمية القـدرة التنافســية للمؤسسات الاقتصادية والرفع من الإنتاجية في مختلف القطاعات والمجالات وفق مبدإ التعويل على الذات وعلى قدرات كفاءاتنا الوطنية.

وعلى رئيس الحكومة الجديد العمل وبالنسق المطلوب في إحداث «صدمة» استثمارية في المناطق الداخلية الأقل حظا بتشريك كل الهياكل والأطراف المتداخلة واستغلال كل الآليات والتشريعات الجاري بها العمل سواء القديمة الجديدة أو الأخرى محل النظر والتنقيح للدفع نحو خلق الثروة والتقليص من التفاوت بين الجهات – هذا الإرث « الثقيل»- وإرساء العدالة الاجتماعية بين كافة المناطق والفئات داخل الجمهورية التونسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إثر زيارة رئيس الجمهورية لهنشيري الشعّال والنفيضة : الشعب التونسي في حالة صدمة من هول ما رأى من فساد…

كشفت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيّد غير المعلنة  الأخيرة الى كل من هنشير الشعّال بولاية صف…