لمعالجة ضغط الشح المائي: الحكومة تقرّ عددا من الإجراءات لتوظيف أمثل للموارد المائية
احتلت أزمة توزيع المياه الصالحة للشراب في الصائفة الحالية صدارة المشاكل التي يعاني منها التونسيون، مما جعل هذا الملف المستعجل ضمن أولويات رئيس الجمهورية قيس سعيد وحكومته. وفي هذا الإطار خصص رئيس الحكومة كمال المدوري أولى جلساته الوزارية التي عقدها أمس الأول للنظر في سبل ترشيد الموارد المائية واجراءات وآليات تنميتها وتنويعها وذلك على ضوء ما تم عرضه حول الوضعية الحالية لمياه الشرب.
وبالمناسبة دعا رئيس الحكومة الى ضرورة السهر على التوظيف الامثل للموارد المائية واستحثاث انجاز المشاريع المبرمجة لتنمية هذه الموارد ووضع سياسة تعبئة متلائمة مع التغيرات المناخية وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لذلك. وشدد في هذا الإطار على أهمية تجريم طرق الاستغلال غير القانونية والاعتداءات المتكررة على الملك العمومي المائي واستنزاف الموارد المائية.
وتماهيا مع توجهات الدولة في تعاطيها مع الوضعية المائية الحالية التي تعتبر دقيقة وربما حرجة خاصة مع تتالي سنوات الجفاف وضعف التساقطات أكد رئيس الحكومة على ضرورة تفعيل مراجعة مشروع مجلة المياه في اتجاه تجريم الاعتداءات على الملك العمومي المائي. وهذه المجلة التي من المنتظر ان تعرض على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليها تتميز كما بين ذلك وزير الفلاحة ببعديها الوقائي والاستشرافي خصوصا في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها منطقة البحر الأبيض المتوسط وانعكاساتها على موارد بلادنا المائية. ومن الأهداف التي وضعها مشروع مجلة المياه الجديدة اصلاح حوكمة الملك العمومي للمياه وتكريس آليات التصرف المندمج والمستدام والتأقلم مع التغيرات المناخية، اضافة الى المحافظة على الموارد المائية وتثمينها.
وعلاوة على التعجيل في المصادقة على مجلة المياه الجديدة وتفعيلها، تم خلال جلسة العمل الوزارية إقرار جملة من الإجراءات التي تتمثل بالأساس في سحب الامتيازات والحوافز المسندة لتركيز السخانات الشمسية على تركيز خزانات المياه الفردية. حيث انه لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية وتشجيعا للتونسيين لاستعمال الطاقة الشمسية كبديل لها، تم وضع آلية تمويل مبتكرة من خلال منح قروض ميسرة عن طريق بنك بضمان من الشركة التونسية للكهرباء والغاز مع إسناد منح من صندوق الانتقال الطاقي وحوافز جبائية.
وتم أيضا إقرار فض الإشكال القائم على مستوى محطة تحلية مياه البحر بسوسة مع المجمع المكلف بإنجاز المشروع، لتكون رابع محطة من هذا النوع بعد محطات صفاقس وجربة والزارات بقابس. هذا الى جانب الاسراع باستكمال انجاز المشاريع في طور التنفيذ وفق رزنامة محددة مع توفير التمويلات اللازمة لاستكمال انجاز محطات التحلية المبرمجة. واقر المجلس أيضا اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة للتصدي لعمليات استنزاف الموارد المائية بصفة غير شرعية مع اعداد تصور لمراجعة المنوال الفلاحي حتى يتلاءم مع التغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه التي تعيشها بلادنا.
وفي هذا الإطار قد يجدر التذكير بأن وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد قد أقرت منذ شهر مارس 2023 «نظام حصص ظرفي وتحجير وقتي لبعض استعمالات المياه» وبررت ذلك بتواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق. وبالرغم من هذا الإجراء الا ان منسوب المياه المخزنة في السدود واصل في التراجع. لتبلغ نسبة امتلائها في 22 جويلية الفارط، وهو تاريخ الزيارة الرئاسية التفقدية للسدود حوالي 27.1 بالمائة وانخفضت يوم 24 من الشهر نفسه إلى 26.9 بالمائة وستستمر في التراجع مع استمرار ارتفاع الطلب وانحباس الامطار.
ضعف المياه المجمعة مقابل ارتفاع الطلب ودرجات الحرارة
هذا وحسب تصريح لـ«الصحافة اليوم» بين حسين الرحيلي الخبير في التنمية والموارد المائية بأنّ آخر المعطيات حسب المرصد الوطني للفلاحة تفيد بأنّ نسبة امتلاء السدود وصلت قبل نهاية الأسبوع المنصرم الى 25.6 بالمائة لتتراجع كمية المياه المجمعة الى 580 مليون متر مكعب. وهي كمية ضعيفة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار ارتفاع درجات الطلب مع ارتفاع درجات الحرارة، علما وان عدد عمليات التبليغ عن الانقطاعات المسجلة حسب المرصد التونسي للمياه بلغت حوالي 598 عملية تبليغ. ليعبر عن امله في ان تتغير الأحوال الجوية وان تسجل بلادنا بعض التساقطات التي يمكن ان تساعدها على رفع الإيرادات المائية، مذكرا ان السحب من السدود يوميا يبلغ قرابة 2 مليون متر مكعب مقابل غياب الإيرادات ما يجعل كمية المياه بصدد التناقص بشكل كبير.
وأضاف انه على أهمية اعتماد تحلية مياه البحر في تحسين الوضعية المائية والتقليص من مشكلة استنزاف السدود والتخفيف من الضغط على بعض الجهات وتحسين تزويدها بمياه الشرب والتقليص من حجم الانقطاعات، الا ان تونس بشكل عام تبقى تحت ضغط الشح المائي بسبب التراجع الكبير في التساقطات الذي انجر عنه تراجع مخزونات السدود. وهو ما يعني ان هذه الوضعية تستوجب البحث عن حلول على مستوى الأمدين المتوسط والبعيد لان الحلول الظرفية من قطع دوري للمياه واعتماد نظام الحصص يمكن ان تحل مشكلة هذه الصائفة لكنها لا يمكن أن تحل هذه المشكلة في أفق خمس سنوات ولا في المستقبل باعتبار ان الماء مرتبط بكل الأنشطة وبحياة المواطنين وبالتنمية بصفة عامة.
وبالتالي حسب محدثنا تفرض الوضعية المائية التي وصلت اليها بلادنا اليوم اعتماد مقاربة جديدة في السياسة المائية العمومية وتنويع مصادر الماء باعتبار ان بناء السدود لا يمثل الحل الأمثل امام التبخر الكبير الحاصل جراء ارتفاع درجات الحرارة المتواصل لشهور متعددة ما يعنيه ذلك من اهدار للمال وللماء. كما انه في صورة وجود نية لبناء سدود فانه من الضروري إعادة النظر في خارطة بنائها وفق تغير خارطة التساقطات المطرية جغرافيا. وبالتالي لابد من استنباط طرق محدثة من اجل التمكن من الاستغلال الأمثل لمياه الامطار كما انه من الضروري وضع منظومة واعتماد مقاربة جديدة لرفع التحديات للخمس او العشر سنوات القادمة.
بعد أن كشفت زيارات الرئيس الميدانية تقصير المسؤولين الجهويين : العمل الميداني أصبح من ركائز عمل الولاّة
كشفت الزيارات الميدانية ذات الطابع الفجئي التي أداها رئيس الجمهورية قيس سعيّد الى مختلف ال…