مما لاشك فيه ان قطاع التربية والتعليم يعد أهم مرتكزات البناء الحضاري لأي شعب أو أمة من الأمم ولا يمكن الحديث عن مسائل متعلقة بالسيادة دون تعليم متين وعصري وناجع يضمن اساسيات بناء الإنسان، إنسان متجذّر ومنتمي لوطنه ومنفتح على كل الثقافات واللغات دون ولاء مطلق لها يكتسب الفكر النقدي داخل المؤسسة التربوية ويمتلك ناصية العلم والمعرفة التي تخول له حرية الفكر والتعبير، حرية مسؤولة لا رقيب عليها إلا الضمير الحي.
ووفق هذه الديباجة يتسق المعنى العام الذي تنحاز له تونس في المرحلة الحالية والذي تجلى بوضوح في تشديد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ان قطاع التربية والتعليم هو من قطاعات السيادة فلا مستقبل لنا إلا بتعليم عمومي وتربية وطنية وثروتنا البشرية هي التي يجب العمل على المحافظة عليها وفي المقدمة لتطوير كافة القطاعات وذلك وفق ما جاء في بلاغ رئاسة الجمهورية وفي سياق التطرق لفحوى لقاء رئيس الجمهورية برئيس الحكومة.. وتم هذا في معرض الحديث عن المجلس الأعلى للتربية والتعليم والذي من المنتظر ان يعيد الروح الى هذا القطاع الذي تم تهميشه بشكل قصدي حينا وعن تقصير واهمال أحيانا وفي كلتا الحالتين فوضعية التعليم في بلادنا لا تسرّ حاليا.
إذن المجلس الأعلى للتربية والتعليم في صدارة اهتمام رئيس الجمهورية قيس سعيد مرة أخرى وهو الذي قدم مبادرة بإنشائه وها هو اليوم يدعو لدى استقباله رئيس الحكومة كمال المدوري الى ضرورة عرض مشروع النص المتعلق بهذه المؤسسة الدستورية على مجلس الوزراء.
وعلى هذا الأساس من المنتظر ان يرى المجلس الأعلى للتربية النور قريبا وهو ما سيحدث وقطعا نقلة هامة في مجال التعليم في تونس.
ويبدو ان لهذا القطاع أهمية بالغة في سياسات تونس اليوم تتضح من خلال تأكيد رئيس الجمهورية في كل مرة على الانشغال به والتحفيز على تطويره وتحسينه.
ويتضح من خلال تفاصيل الحديث الذي دار بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة كمال المدوري أن الرهان اليوم هو بالتأكيد على التعليم العمومي من اجل ان يستعيد مكانته واشعاعه وان تعود المدرسة لا الى دورها التربوي والتعليمي فحسب بل الى مكانتها كمصعد اجتماعي يمتطيه أبناء الطبقات المتوسطة والضعيفة لتحقيق الذات. وهو ما كانت عليه في العقود الأولى للاستقلال ثم جاءت فترات ما يمكن أن نسمّيه بتدجين التعليم فكان ان انتشر الفساد في هذا القطاع وتراجع دوره الاجتماعي والتربوي والتثقيفي وبالتالي تراجعت مكانة المدرسة التونسية في ترتيب الجودة التعليمية. ويبدو ان تونس اليوم ماضية في اتجاه تطوير المنظومة التربوية وإعادة المصعد الاجتماعي الى سالف نشاطه وهذا من التحديات الكبرى المرفوعة راهنا.
كما انه من الأكيد أن الرؤية اتضحت بشأن المنظومة التربوية التي تهاوت تحت وقع معاول كثيرة من بينها الإهمال والتقصير من قبل القائمين عليها على امتداد حوالي عقدين بالإضافة الى الفساد الذي نخر اغلب هياكل الدولة ولم تسلم منه وزارة التربية في العقد الأخير وتولي عديد الوزراء هذه الحقيبة الوزارية المهمة دون كفاءة أو رؤية او مشروع. ودون أن نغفل عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي أثّرت بكل تأكيد على الأسرة والمجتمع ومن الطبيعي ان تتأثر التنشئة الاجتماعية التي تنعكس آليا على التلميذ وسلوكه وبنيته الذهنية وبالتالي أدائه داخل أسوار المؤسسة التربوية وكذلك الشأن بالنسبة الى المربي والولي بالتبعية.
وهذا ما أفرز ظواهر اجتماعية وسلوكية مرضية في مقدمتها تفشي العنف في الحرم المدرسي وانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين التلاميذ والحصيلة ان المدرسة لم تعد آمنة.
وللقطع مع كل هذا ستكون المهمة كبيرة على عاتق المجلس الأعلى للتربية الذي سيتولى إعادة الاعتبار للتعليم والتربية على أساس أنه القاطرة التي تقود كل القطاعات وفلاحه يعني فلاحها كما ان فساده يعني قطعا فسادها.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …