أثار الظهور الاعلامي لرئيس الحكومة المقال السيد أحمد الحشاني على صفحة رئاسة الحكومة أول أمس عبر فيديو بأربعة أجزاء تحت عنوان «حصيلة العمل الحكومي» عديد التساؤلات وأعاد بقوة ذاك السؤال القديم والمتجدّد باستمرار عن طبيعة «الاتصال الحكومي» وطبيعة الاشخاص المكلفين بوضع استراتيجيات هذا الاتصال المخصوص وهل أن لديهم من الوعي والمعرفة والخيال أيضا بما يؤهلهم لوضع اتصال حكومي قادر على كسر «عزلة الحكومة» وبالتالي بناء جسر تواصلي صلب بينها وبين مختلف وسائل الاعلام الوطنية وبينها وبين مواطنيها أيضا من الباحثين عن المعلومة من مصادرها لا من المصادر «الفايسبوكية» أو المصادر الاجنبية المضللة…

في الاسبوع الاخير وقفنا عند «واقعتين حكوميتين» تدلان بقوة على فشل الاستراتيجيا الاتصالية لحكومة الحشاني وقد اتضح بأنها «استراتيجيا عشوائية» وان أعضاء الحكومة (بعضهم) بصدد التحرك عشوائيا كل بحسب مزاجه وإمكانياته في «مخاطبة الجماهير» دون أن يكون هناك «خط استراتيجي» ينظم العملية الاتصالية وهي عملية معقدة يمكن ان تكون نتائجها سلبية جدّا عكس النوايا وعكس المقاصد وقد تسيء ـ في حالات الارتداد العكسي ـ الى المسار السياسي برمته…

«الواقعة الاولى» تتمثل في الظهور الاعلامي لوزيرة التربية أمام الاساتذة النواب أما الثانية ـ كما أشرنا ـ فتتمثل في الظهور الاعلامي للسيد أحمد الحشاني رئيس الحكومة المقال على صفحة رئاسة الحكومة… والواقعتان ـ كما ذكرنا ـ تعيدان بقوة سؤال الاتصال الحكومي وضرورة الانتباه الى أن الفشل الاتصالي قد تكون له نتائج سلبية على سياسات الحكومة برمّتها…

وحتى لا نمضي أكثر في وصف الحالة فقد ضيّعت السيدة وزيرة التربية في ظهورها المشار اليه أمام وزارة التربية القواعد الدنيا لآداب الاتصال الجماهيري (شكلا ومحتوى) ولم تراع شروطه التي سنأتي عليها تباعا وقد «تكون للسيدة الوزيرة» نوايا اتصالية طيبة لكن ـ وكما نعلم ـ فإن النوايا لوحدها لا تكفي في مثل هذه الأيام الصعبة.

الواقعة الثانية كما أشرنا اليها بداية هي الظهور الاعلامي للسيد رئيس الحكومة المقال ولن نطيل في ملاحظاتنا من حول هذا الظهور باعتبار ان الرجل قد غادر المكان الا أنه وجب التنبيه الى خطورة الاستمرار في مثل هذا «الخط الاتصالي» الذي ظهر به السيد أحمد الحشاني ويعكس في مستوى الشكل عزلة حكومته وعدم قدرتها على مخاطبة الناس بلغة ومحتوى يليقان بدولة المواطنة وقد اختار التحدث مع «المرايا» بحيث لا وجود لغير صورته ولصدى صوته وهو يسرد «حصيلة العمل الحكومي» من مكتب صامت ومعزول وبلغة خشبية غير مقنعة وعبر عملية «بث ميتة» لا أفق لها ولا تنتظر تفاعلا أو تجاوبا انسانيا بل هي «عملية بثّ» مكتفية بذاتها وليست في حاجة لوجود الآخرين أو المتفاعلين معها… وحتى إن كان المحتوى حقيقيا فإنه لا يمكن تصديقه بما أن الشكل المغلق والمعزول للصورة لا يمكن الوثوق به أو الاطمئنان اليه.. فلا مُحَاور ولا حوار ولا أسئلة ولا نقاش ولا تفاعلات… نحن ـ هنا ـ أمام «عملية دعائية» لا تنتظر تجاوبا من المواطنين وإنما ـ فقط ـ لتسجيل «حضور فارغ» أهمل كل شروط الاتصال الاعلامي الجماهيري القادر على اقناع الجماهير بما يبثه من رسائل ومن محتوى..

نحن أمام أمر واقع لا غبار عليه ويتجلّى ـ عميقا ـ في غياب أو لنقل ـ بوضوح ـ في فشل الحكومات المتعاقبة علىالقصبة في وضع استراتيجيا مؤسسة لاتصال حكومي قوي وموحّد مؤهل أولا للترويج للسياسات العامة وله من الامكانيات التي تؤهله أيضا لمواجهة «تسونامي التدفقات الاعلامية» التي تتسرب عبر محامل إعلامية مختلفة وطنية وأجنبية بما فيها من حق ومن باطل ومن حقائق ومن أكاذيب واشاعات وإرباكات.. وكلّنا يعرف ـ اليوم ـ بأن تونس محاصرة اعلاميا وبالتالي فإن المرحلة بما فيها من رهانات على الطريق تستدعي التأسيس لاتصال حكومي موحد غير معزول عن محيطه الوطني بما فيه من تعدّد اعلامي عمومي وخاصّ وبالتالي مدّ جسور التواصل مع الاعلاميين وعدم اغلاق سماء المعلومات أمام الصحافة الوطنية التي لم تعد لها ـ حقيقة ـ مصادر خبر رسمية باعتبار «حالة العزلة» التي اختارتها حكومة الحشاني وقبلها حكومة بودن ما ساهم في توسيع دائرة الاخبار الزائفة أو المنقوصة والتي افقدت الصحافة الوطنية مصداقيتها أمام الجماهير… فالمطلوب في هذه المرحلة اعادة بناء ما يسمى «بالاتصال الحكومي» واختيار المتكلمين باسم الحكومة مع توحيد الخطاب والقطع مع «التحرك العشوائي» لعدد من الوزراء من أجل توحيد الخطاب وفصله عن «المزاجات الشخصية» لعدد من الوزراء ممّن صنعوا لأنفسهم «صفحات خاصة وشخصية» على الفايسبوك للترويج لأنفسهم «ولانجازاتهم» بمعزل عن العمل الحكومي المفترض ان يكون موحدا وبلسان واحد وبظهور مدروس شكلا ومحتوى وبما يليق بالدولة التي يضيرها التحدث باسمها عشوائيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تشوّهات على واجهة المنظّمة الشّغيلة..!

 لا أحد كان يتوقع ان يصل الاتحاد العام التونسي للشغل الى هذه الحال من التردي والانقسام وال…