2024-08-09

من بين الملفات المطروحة على رئيس الحكومة الجديد : نحو اتصال حكومي ناجع وناجز

الأكيد انه ليس من المروءة في شيء ان تنهال سهام النقد والانتقاد بل السخرية من مسؤول أعفي من مهامه سواء لتقصير او عجز عن الإدارة او عدم التمكن من مسايرة طبيعة المرحلة.

ولكن في كل الأحوال ثمة حقيقة واضحة وضوح الشمس في يوم قائظ وهي ان رئيس الحكومة السابق احمد الحشاني لم ينجح في التأسيس لاتصال حكومي ناجع يقدم من خلاله مشاريع واستراتيجيات حكومته والحقيقة انه ليس وحده في هذا الامر فقد كانت رئيسة الحكومة التي سبقته  في الخندق نفسه بشأن التواصل مع المواطنين عبر وسائل الإعلام، وهو ما جعل الحكومة صامتة لا تعلن ولا تفسر ولا تبرّر للمواطن وهذه إحدى أكبر نقاط الضعف.

ويبدو ان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد التقط نقاط ضعف رئيس الحكومة الأسبق ومن بينها المسألة الاتصالية. والواضح على الأقل من السيرة الذاتية ان ساكن القصبة الجديد يختلف جذريا عن سابقيه سواء السيد الحشاني او السيدة بودن. فتمرّسه بالعمل الإداري وخبراته المتنوعة تخول له ان يطرح الملفات الحارقة بجدية وليس هذا فقط بل وان يكون متمايزا عنهما في مسألة الاتصال الحكومي. فلا ننسى مثلا ان حكومتنا لا تمتلك ناطقا رسميا باسمها منذ اعفاء الوزير الذي كان مكلفا لهذه المهمة.

وتقول بعض القراءات الأولية أن السيد كمال المدوري رئيس الحكومة الجديد الذي استلم مهامه رسميا بعد تكليف من لدن رئيس الجمهورية قيس سعيد قد يختار تشكيل حكومة جديدة وربما يجري تحويرا عميقا لا يبقي سوى على قلة من وزراء الحكومة الحالية. وفي كل الحالات الثابت أن طريقة عمل الحكومة وأسلوب اتصالها سيتغير بتغير الشخصية المحورية في القصبة وأيضا وفق اكراهات وظروف المرحلة الحالية أمام التحديات التي تواجهها بلادنا وهي مقدمة على استحقاق انتخابي بالغ الأهمية والأكيد ان هناك بعض الأطراف الخارجية وحتى الداخلية ليس من مصلحتها ان ينجح او يتم في ظروف طيبة. وهو ما أشار اليه رئيس الجمهورية ذاته في مناسبات سابقة  وآخرها في اجتماع مجلس الأمن الأخير.

وفي كل هذه المعطيات تكمن أهمية إعداد استراتيجية دقيقة للاتصال الحكومي في المرحلة القادمة تتحدد وفقها الملامح العامة لسياسات الحكومة في كل المجالات والقطاعات ويتم التعريف بعملها ومشاريعها أولا بأول حتى يكون المواطن على بينة مما يحدث. كما ان مصارحة التونسيين ومكاشفتهم بشأن كل الصعوبات والتحديات أمر ضروري من شأنه ان يخلق ثقة بين الشعب وحكومته.

ولابد هنا من الإشارة الى ضرورة التنسيق بين مختلف الهياكل والوزارات في خطة اتصالية موحدة حتى لا تصبح صفحات بعض الوزارات بمثابة صفحة شخصية لهذا الوزير أو ذاك.

وحتى لا تكون أنشطة الهياكل الحكومية بمثابة عزف منفرد دون انسجام او تناغم او تنسيق.

فالمرحلة الحالية تقتضي ان يكون الاتصال الحكومي واضحا وشفافا ومهنيا وان تنفتح الوزارات وفي مقدمتها رئاسة الحكومة على الاعلام الوطني المهني لتقديم المعلومة الدقيقة والتفسير الواضح للحدث. وهذا سيقطع الطريق على كل مروّجي الاشاعات او مختلقي الأكاذيب الذين ينشطون عادة في  غياب المعلومة الرسمية وفي ظل انعدام توفر الخبر في وسائل الاعلام الرسمية. فتزدهر صناعة الزيف عبر صفحات الفايسبوك المأجورة ويختلط الخبر بالتحليل والاستنتاج والرأي من قبل هواة نشر الأراجيف الذين يهدفون الى  توجيه الرأي العام و خلق توترات اجتماعية من شأنها أن تؤثر على المسارات المقبلة.

وفي مثل هذه الظروف يلعب الإعلام الوطني المحترف والنزيه أهمية كبرى عندما تمنحه الحكومة ثقتها وتزوّده بما يحتاجه من معطيات وأخبار وتصريحات توضح حقيقة الأمور وتكشف عن استراتيجيات العمل.

والأكيد ان التحدي الأكبر الذي ينبغي ان ترفعه حكومة السيد كمال المدوري هو الإتصال الحكومي الناجع والناجز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

المجلس الأعلى للتربية يرى النور : نحو إصلاح جذري عميق للمنظومة التربوية

أخيرا تحددت ملامح المجلس الأعلى للتربية بعد صدور مرسوم في الرائد الرسمي في هذا الخصوص والأ…