2024-08-06

فيما تتواصل معضلة انقطاع المياه : أنشطة فلاحية ومهن صيفية يتهدّدها الركود والإندثار

شهدت تونس  ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة والتي تراوحت بين 40 و46 درجة مائوية في عديد مناطق الجمهورية خاصة في المناطق الداخلية، الأمر الذي أدى إلى المزيد من استهلاك المياه لكنه وبسبب الانقطاعات المتكررة المعلنة وغير المعلنة  لم يعد هذا الاستهلاك امرا متاحا للعديد من المواطنين الذين حرموا في أشد فترات السنة حرا من حقهم الكوني والدستوري في الحصول على الماء .

لقد اثر انقطاع المياه الصالحة للشرب في فصل الصيف كثيرا على العديد من المهن التي تنتعش كثيرا  خلال موسم الصيف الذي يعد موعدا  سنويا  لإقامة الأفراح والاعراس والمناسبات الخاصة والمهرجانات ومنها قطاع المقاولات الذي يعاني بطبيعته من ركود كبير ومستمر ونجد أيضا مهن تصنيع العصائر والمشروبات الصيفية ومهنة الحلاقة التي تحتاج كثيرا لاستخدامات المياه مما يضطر الكثير من «صالات» الحلاقة  الى الاغلاق اياما متواصلة الى حين عودة الضخ العادي للمياه واثرت هذه الوضعية على مردودية هذا النشاط الذي اضطر البعض من المهنيين في المناطق التي تعاني من انقطاعات متكررة وطويلة المدى اما إلى تغيير النشاط أو إلى غلق قاعة الحلاقة مثلما حدث مع إحدى  العاملات في المجال والتي أكدت لـ«الصحافة اليوم» انها غيرت صبغة نشاط قاعة الحلاقة الى بيع العطورات ومواد التجميل بسبب انقطاع المياه والكهرباء الذي افقدها العديد من الحريفات خاصة خلال موسم الاعراس .واكدت محدثتنا التي تقطن منطقة المحاسن من ولاية توزر قائلة «لم يكن لدينا هذا النوع من المشاكل قبل عامين» ولكن منذ العام الفارط، انسكبت الاختلالات في توزيع المياه حتى خارج الفترة الصيفية. وعلاوة على الانقطاع المطوّل الذي لحق عدة أحياء في المدينة   فإن المياه ما تزال تنقطع على معظم مساكن المدينة ما يقارب الثلاث مرات في اليوم الواحد  ولا يستأنف التوزيع مساره الطبيعي إلا في الصباح.ثم تتوالى فيما بعد الانقاطاعات .ولئن كانت هذه الأزمة المائية  متوقعة في تونس منذ سنوات خاصة في ظل تراجع التساقطات مما أدى إلى تقلص المخزونات في السدود الكبرى للبلاد التي  باتت تعاني من أزمة مائية حادة ساهمت فيها التغيرات المناخية بدرجة أولى الا أن تداعياتها  على المرأة الريفية لم تكن متوقعة إلى هذا الحد الذي أصبحت فيه النساء يكابدن  الويلات والمخاطر وهن في طريقهن للبحث عن المياه التي أصبح الحصول عليها صعبا وشاقا للغاية.

وفي متابعة لهذه  الوضعية أكدت السيدة عيشة الطابع احدى متساكنات ارياف ولاية  القيروان بأن الحصول على الماء أصبح عسيرا جدا إلى درجة العجز عن تغسيل  الميت قائلة « لقد احتجنا الماء لتغسيل جارتنا لكننا لم نجده حتى ثيابها لم نستطع ان نغسلها» مضيفة «نحن لا نريد شيئا غير الماء.. نريد فقط توفير المياه.»

كما اكدت جميلة سعد اللاوي وهي أيضا إحدى متساكنات ارياف ولاية القيروان بأن الحي الذي تقطنه غير مربوط بالشبكة الوطنية لتوزيع المياه لذلك فالطريقة الوحيدة للتزود بالمياه تكمن في التنقل والبحث في المناطق المجاورة وهي عملية تتكبد مشاقها المرأة دون سواها حيث تركب العربات المجرورة بالأحمرة ( الكريطة ) وتقطع مسافات طويلة لتعبئة المياه في الصهاريج وأحيانا تقول جميلة يعطف علينا الجيران ممن لديهم ابار ويعطونا الماء لنسقي به شجيرات الزيتون وأحيانا ينزل المطر فيغيثنا.

لقد بدأت ازمة نقص المياه، تتجلى للعيان منذ سنوات طويلة متجسدة خاصة في الانقطاعات المتكررة للمياه الصالحة للشرب التي  بدأت تشمل جميع ولايات الجمهورية تدريجيا إلى أن بلغ مستوى العاصمة تونس وأحوازها منذ الصائفة الماضية كما اصبحت هذه المسألة   من أكثر الأمور المرهقة للمواطن التونسي مع حلول فصل الصيف بل  إن معضلة قطع الماء المتعمد باتت تهدد المواطن حتى في المناسبات وفي الأعياد ومنها عيد الأضحى المبارك الذي يعد فترة ذروة  الاستهلاك.. لقد توالت السنوات وتعمقت معها المسألة المائية أكثر فأكثر في  تونس بلاد العيون العذبة والمياه المتدفقة من الحنايا الرومانية  مما اوصلها إلى عنق الزجاجة في أزمة لم تشهد لها مثيلا من قبل حيث تعاني تونس من وضعية مائية حرجة بعد  سنوات متتالية  من الجفاف و تفاقمت هذه الوضعية أكثر خلال الأعوام القليلة الماضية  مما اضطر  السلطات إلى اتخاذ قرارات موجعة تتعلق بتقسيط المياه.

وفي تصريح لـ«الصحافة اليوم» أكدت منيارة مجبري عضو بقسم العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع القيروان  أن حوالي 60 الف مواطن في ولاية القيروان محروم من حقهم  في التمتع بالمياه الصالحة للشرب لا عن طريق الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه ولا عن طريق الجمعيات المائية التي تحولت اليوم إلى معضلة هيكلية في منظومة المياه نظرا لكثرة المشاكل والتعقيدات التي تشوب عمليات توزيع المياه. وأفادت مجبري بوجود العديد من المشاكل الهيكلية التي أدت إلى حرمان المواطن من حقه في الماء إضافة إلى وجود تفاوت كبير بين مختلف مناطق الجمهورية وعدم مساواة بين المواطنين في التمتع بحقهم في الماء، داعية إلى ضرورة مراجعة السياسات المائية والتشريعات من خلال  إعادة هيكلة المنظومة المائية وإصلاح مجلة المياه بشكل تشاركي كما طالبت  مجبري بضرورة تركيز إدارات جهوية للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه لتسهيل عمليات ربط المناطق المحرومة بالماء الصالح للشراب لاسيما وان هناك قرارا وزاريا في هذه المسألة لكنه لم يطبق إلى اليوم حسب قولها.

وفي سياق متصل رصد المرصد التونسي للمياه خلال شهر جويلية 2024 عدد598 تبليغ عن  انقطاع غير معلن واضطراب في توزيع المياه الصالحة للشرب على مستوى الجمهورية تتصدر فيه ولاية سوسة الخارطة بـ97 تبليغا تليها ولاية صفاقس بـ 85 تبليغ. دون أن تستثني الخارطة ولايات قفصة، المنستير ونابل بتبليغات قدرت على التوالي بـ45، 42و40.ولئن كانت الانقطاعات المتعلقة بالأعطاب والصيانة موجودة منذ سنوات، لكن تلك المتعلقة بإدارة الموارد تعود إلى سنة 2016 فحسب حيث   شهدت صائفة تلك السنة تواتر الانقطاعات بشكل كبير ولا سيما في منطقة الساحل في عز الموسم السياحي الا أنه من الواضح أن الانقطاعات اليوم قد انتشرت في جميع أنحاء البلاد، دون أن تغير الاحتجاجات أي شيء في واقع إمدادات المياه. ففي سنة 2023 تلقى المرصد التونسي للمياه 1893 تبليغ بما في ذلك 1592 بشأن الانقطاعات تشمل كافة الولايات دون استثناء.

ومن جهته، كشف تقرير صادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مطلع سنة 2024، أنّ تونس تعدّ من بين البلدان الفقيرة مائيًا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، وأيضًا جراء الاستغلال المفرط للمياه في قطاعات غير حيوية وغياب استراتيجية واضحة من قبل الدولة للحد من استنزاف الماء وإيجاد حل مستدام لأزمة المياه.

ووفق التقرير ذاته، يُقدر معدل استهلاك الفرد الواحد للماء في تونس بـ420 متر مكعب للفرد في السنة، معتبرًا أنّ هذا المعدل أقل من معدل استهلاك الفرد في منطقة الشرق الأوسط وباقي دول شمال أفريقيا والمقدر بحوالي 550 متر مكعب، وكذلك أقل بكثير من المعدل العالمي الذي توصي به المنظمة العالمية للصحة والمتراوح سنويًا بين 700 متر مكعب و900 متر مكعب.

وبحسب دراسة سابقة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، من المتوقع أن تواجه تونس انطلاقا من سنة 2030 وبحدة أكبر مشكلة نقص المياه، حيث من المنتظر أن تصل الموارد المائية المتاحة سنويا لكل ساكن الى حوالي 360 متر مكعب، مقابل 420 متر مكعب في سنة 2006 و1036 متر مكعب سنة 1960 كما ستواجه تونس علاوة على مشكلة شح المياه تحديات أخرى، لاسيما ارتفاع درجات الحرارة (أكثر من 3 درجات في سنة 2050) وتدهور التربة. كما تشير دراسة  أعدها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات حول استراتيجية المياه بسنة 2050 الى أن الاحتياجات المتوقعة للمياه تبلغ 31.7 مليون متر مكعب.مما بات يستدعي بلورة منظومة جديدة ترتكز اساسا على تطوير الرؤية المستقبلية واتباع نهج شامل وعالمي لنظام المياه من خلال دمج جميع استخدامات المياه والموارد والسياق الاجتماعي والاقتصادي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

خلال ندوة صحفية لوزارة الفلاحة : الإعلان عن الاستعداد الجيد لموسم الحبوب المقبل.. وجملة من الاجراءات لضمان  نجاح الموسم الفلاحي القادم

أفادت  وزارة الفلاحة خلال ندوة صحفية عقدتها امس الاربعاء واستعرض بياناتها المسؤول بالإدارة…