هل نذيع سرّنا إذا قلنا إن بلادنا لم تهتم في الوقت المناسب بمجال الطاقات النظيفة. ولم تولها الاهتمام الذي تستحقه. أو بالأحرى انطلقت فيه قبل غيرها من دول اقليمنا ولكنها تأخرت كثيرا بفعل الأحداث السياسية التي عاشتها منذ عقد ونصف. وقد أثّر بالتأكيد هذا التأخر على اقتصادنا وبتنا نعاني من عجز طاقي كبير كما يعلم القاصي والداني.

واليوم نشهد حراكا في هذا المجال من أجل تفادي الخسائر المادية في المجال الطاقي ومحاولة تدارك ما فات بالقدر اللازم. نقول هذا ونحن نشهد دخول محطة توليد الطاقة الشمسية بتطاوين حيز التنفيذ والتي أثارت استبشار الأهالي وردود فعل إيجابية جدا نظرا للدور الذي من المرتقب أن تلعبه.

والحقيقة ان متساكني ولاية تطاوين عموما ومعتمدية غمراسن على وجه الخصوص انتظروا كثيرا وطال امد انتظارهم ليبلغ ثمانية أعوام بالتمام والكمال من اجل ان يتم استغلال هذه المحطة. وتعود أسباب التعطيل كما جاء على لسان بعض المواطنين والمسؤولين الجهويين الى الإدارة والإجراءات والتعقيدات التي باتت مجال تذمّر في كل القطاعات ولعله آن الأوان لتعصير الإدارة ومراجعة ما يجب مراجعته.

وبعيدا عن هذه التعطيلات التي أصبحت من الماضي يمكن القول إن دخول محطة توليد الطاقة الشمسية بتطاوين حيز الاستغلال يمكن أن يكون مرحلة جديدة ونقلة نوعية بالنسبة للفلاحة والزراعات السقوية على وجه التحديد في هذه الربوع. ويتم العمل عبر ربط الطاقة الشمسية البديلة بالآبار من أجل توفير كميات المياه الضرورية للمنتوجات الفلاحية.

وتفيد المعطيات المتصلة بهذه المحطة بأنها توفر عشرين لترا في الثانية وتستفيد منها أراضي تمسح حوالي سبعين هكتارا وعلى امتداد 12 كيلومترا شرق معتمدية غمراسن وسيستفيد منها حوالي سبعون فلاحا من المنتمين الى المجمع المهني الفلاحي بالمنطقة.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن تطاوين تحتوي على مقدرات مهمة تجعلها منطقة نموذجية فلاحيا وقد أثبتت التجربة نجاحها في مجال انتاج القمح الصلب على سبيل المثال. وهذا ما يجعلنا نأمل في تطوير هذه المنطقة لتصبح إحدى سلال الإنتاج الغذائي للتونسيين.

واذا مضينا بعيدا يمكن القول أن المراهنة على الطاقات البديلة لم تعد ترفا بل حاجة ملحة يمكن ان تنقذ بلادنا ليس من العجز الطاقي فقط بل يمكن ان تحقق الأمن الغذائي للتونسيين.

والأكيد ان الشمس الحارقة التي تميز تونس خاصة بعد التغيرات المناخية يمكن استغلالها وتوظيفها افضل توظيف من أجل خلق توازنات مناخية واقتصادية مهمة بدل ان نضيّع وقتنا هدرا في التذمر من حالة الشح المائي التي بتنا عليها والتغير المناخي الذي اصبح خطرا داهما على خصائصنا البيئية والطبيعية ولابد من إيجاد حلول جذرية لمواجهة كل هذه التحديات الصعبة.

ويمكن هنا ان نلقي نظرة على بعض البلدان التي تشبهنا في مناخها وتتقاطع معنا في وضعياتها الاقتصادية في محيطنا العربي لندرك الفرق الهائل بيننا وبينها وعلى هذا الأساس من المهم اليوم ان يكون رهاننا الأكبر هو الطاقات البديلة النظيفة التي تكون صديقة للبيئة والمحيط ولا تحتاج الى مصادر  مكلفة لكن الاستثمار فيها يتطلب اعتمادات مالية ينبغي توفيرها. وهذه أحد سبل تحقيق السيادة الوطنية انطلاقا من تلافي العجز الطاقي الذي يستنزف ميزانية الدولة ويعمّق الأزمة الاقتصادية والعمل على تأمين السيادة الغذائية عبر تغيير خارطة الإنتاج الفلاحي في بلادنا والعمل على توظيف الموارد المائية المتاحة في أضيق الحدود والبحث عن موارد جديدة عبر تحلية مياه البحر كما حدث في صفاقس وقابس وفي مرحلة لا حقة سوسة ثم التفكير في الاستمطار الصناعي لم لا. دون ان نغفل عن طاقة الرياح التي انطلقنا في العمل بها ولكن بشكل محتشم ودون المأمول.

وفي كل هذا علينا ان ندرك ان الحروب الدائرة في أكثر من مكان على الكوكب اليوم مدارها الغذاء والطاقة ولابد من الاستعداد لكل السيناريوهات المطروحة كونيا بالتعويل على الذات والمقدرات المتاحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد

على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…