2024-08-04

شواطئ‭ ‬عريقة‭ ‬اصبحت‭ ‬مهجورة‭ ‬بسبب‭ ‬مياه‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي: متى‭ ‬تستعيد‭ ‬الضاحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬بريقها‭ ..‬؟

يغفل‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تنظيف‭ ‬الشواطئ‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬الحقوق‭ ‬البيئية‭ ‬الأخرى‭ ‬حق‭ ‬دستوري‭ ‬يمكّن‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬ببيئة‭ ‬سليمة‭ ‬توفر‭ ‬له‭ ‬الهواء‭ ‬النقي‭ ‬والماء‭ ‬الصالح‭ ‬للشرب‭ ‬وكذلك‭ ‬الماء‭ ‬الصالح‭ ‬للسباحة‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوفر‭ ‬لتحقيق‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭  ‬الضاحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬بمختلف‭ ‬شواطئها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬بعيدة‭  ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬البرامج‭ ‬والتدخلات‭ ‬الناجعة‭  ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬لها‭ ‬بريقها‭ ‬ومكانتها‭ ‬لدى‭ ‬المصطافين‭ ‬الذين‭ ‬هجروها‭ ‬إلى‭ ‬شواطئ‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬جمالا‭ ‬ونظافة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الضاحية‭ ‬بمختلف‭ ‬مدنها‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أعرق‭ ‬الأماكن‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬الدوام‭  ‬منارة‭ ‬وقبلة‭ ‬لكل‭ ‬محبي‭ ‬البحر‭ ‬وعشاق‭ ‬الاصطياف‭ .‬

تشكيات‭ ‬أهالي‭ ‬الضاحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬على‭ ‬الوضعية‭ ‬الكارثية‭ ‬للشواطئ‭ ‬مازالت‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬متواصلة‭ ‬ورغم‭ ‬ان‭  ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الى‭ ‬مدينة‭ ‬حمام‭ ‬الانف‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬يطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬وتسلط‭ ‬عليه‭ ‬الاضواء‭ ‬إعلاميا‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬تواصل‭ ‬انسياب‭ ‬الروائح‭ ‬الكريهة‭ ‬التي‭ ‬ازعجت‭ ‬الاهالي‭ ‬كثيرا‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬اججت‭ ‬تعليقات‭ ‬واحتجاجات‭ ‬رواد‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬متساكني‭ ‬المنطقة‭ ‬ممن‭ ‬يدركون‭  ‬جيدا‭ ‬بان‭ ‬الاشكال‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬التنظيف‭ ‬الآلي‭ ‬للرمال‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الصخور‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬غير‭ ‬المعالجة‭ ‬ومياه‭  ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬مربط‭ ‬الفرس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاخلال‭ ‬البيئي‭ ‬الخطير‭ ‬حيث‭ ‬اكد‭ ‬احد‭ ‬الاهالي‭ ‬من‭ ‬متساكني‭ ‬المدينة‭ ‬لـاالصحافة‭ ‬اليومب‭ ‬قائلا،‭ ‬اان‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬جدية‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الموضوع‭..‬ب‭ ‬مطالبا‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬بضرورة‭ ‬إيقاف‭ ‬سكب‭ ‬مياه‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ .‬حيث‭  ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬إجماع‭ ‬كامل‭ ‬لدى‭ ‬أبناء‭ ‬الضاحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬على‭ ‬تحميل‭ ‬الديوان‭ ‬الوطني‭ ‬للتطهير‭  ‬مسؤولية‭ ‬التلوث‭ ‬الحاصل،‭ ‬بسبب‭ ‬تصريفه‭ ‬مياه‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬والمياه‭ ‬المستعملة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬والمنشآت‭ ‬الصناعية،المنسكبة‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬وادي‭ ‬مليان‭ ‬ومنه‭ ‬إلى‭ ‬بحر‭ ‬الضاحية‭ ‬دون‭ ‬معالجة‭ ‬وصرحت‭ ‬أيضا‭ ‬إحدى‭ ‬المتساكنات‭ ‬بأن‭ ‬الاشكال‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬غربلة‭ ‬الرمال‭ ‬وإزاحة‭ ‬الصخور‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬بل‭ ‬المسألة‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬القضاء‭ ‬نهائيا‭ ‬على‭ ‬التلوث‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬شواطئ‭ ‬الضاحية‭ ‬الا‭ ‬بوقف‭ ‬نزيف‭ ‬السكب‭ ‬المتواصل‭ ‬لـامياه‭ ‬الأوناسب‭ ‬قائلة‭ ‬اأحنا‭ ‬نقولولهم‭ ‬سكر‭ ‬الأوناس‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬حمام‭ ‬الأنف‭ ‬وهوما‭ ‬مولا‭ ‬الدار‭ ‬موش‭ ‬هوني‭ ‬،‭ ‬الشيء‭ ‬ماشي‭ ‬ويزيد‭ ‬بسبب‭ ‬الروائح‭ ‬الكريهة‭..‬ب‭.‬

وعبرت‭ ‬السيدة‭ ‬ايمان‭ .‬ع‭ ‬من‭ ‬متساكنات‭ ‬مدينة‭ ‬الزهراء‭ ‬عن‭ ‬ألمها‭ ‬وحزنها‭ ‬الشديدين‭ ‬لما‭ ‬آلت‭ ‬اليه‭ ‬حالة‭  ‬شاطئ‭ ‬مدينة‭ ‬الزهراء‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مهجورا‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬المدينة‭ ‬بسبب‭ ‬تلوثه‭ ‬والروائح‭ ‬الكريهة‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬مشيرة‭ ‬الى‭  ‬المستوى‭ ‬الخطير‭ ‬للتلوث‭ ‬في‭ ‬مدينتها‭ ‬الزهراء‭ ‬وكامل‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي‭ ‬للضاحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬للعاصمة‭ ‬التونسية،‭ ‬والتي‭ ‬تضم‭ ‬مدن‭ ‬رادس‭ ‬والزهراء‭ ‬وحمام‭ ‬الأنف‭ ‬وحمام‭ ‬الشط‭. ‬وتؤكد‭ ‬ايمان‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤلم‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬بعيدا‭ ‬للاصطياف‭ ‬صحبة‭ ‬أطفالها‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬سوى‭ ‬بضع‭ ‬أمتار‭ ‬عن‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سابقا‭ ‬وجهتهم‭ ‬الوحيدة‭ .‬

وبدأ‭ ‬هذا‭ ‬التلوث‭ ‬يتضح‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬الثمانينيات‭ ‬وبداية‭ ‬التسعينيات‭. ‬وقد‭ ‬أجريت‭ ‬دارسة‭ ‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬1984‭ ‬و1986‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬معهد‭ ‬باستور،‭ ‬أخذت‭ ‬خلالها‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬وادي‭ ‬مليان‭ ‬حتى‭ ‬مدينة‭ ‬حمام‭ ‬الأنف‭ ‬لبحث‭ ‬أسباب‭ ‬التلوث،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬البكتيريا‭ ‬البرازية‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬التلوث،‭ ‬وأن‭ ‬شواطئ‭ ‬الضاحية‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬للسباحة‭.‬

ولئن‭ ‬تواصلت‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬جويلية‭ ‬المنقضي‭ ‬عمليات‭ ‬التنظيف‭ ‬الآلي‭ ‬واليدوي‭ ‬لشواطئ‭ ‬مدينة‭ ‬حمام‭ ‬الأنف‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬بن‭ ‬عروس‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬ومتابعة‭ ‬الفرع‭ ‬الجهوي‭ ‬بن‭ ‬عروس‭ ‬لوكالة‭ ‬حماية‭ ‬وتهيئة‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تنفيذ‭ ‬برنامج‭ ‬تمشيط‭ ‬الرمال‭ ‬وغربلتها‭ ‬بصفة‭ ‬دورية‭ ‬والتنظيف‭ ‬اليدوي‭ ‬للكثبان‭ ‬الرملية‭ ‬ومداخل‭ ‬الشواطئ‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬تواصل‭ ‬انسياب‭ ‬الروائح‭ ‬الكريهة‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬النشطاء‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬المدينة‭ ‬إلى‭ ‬مواصلة‭ ‬نداءاتهم‭ ‬المطالبة‭ ‬بالكف‭ ‬عن‭ ‬سكب‭ ‬المياه‭  ‬غير‭ ‬المعالجة‭ .‬

يذكر‭ ‬ان‭  ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬كان‭ ‬توجه‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬12‭ ‬جويلية‭ ‬2024،‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬حمام‭ ‬الأنف‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬بن‭ ‬عروس‭ ‬حيث‭ ‬عاين‭ ‬الوضع‭ ‬البيئي‭ ‬الكارثي‭ ‬نتيجة‭ ‬الإهمال‭ ‬وصرف‭ ‬المياه‭ ‬المستعملة‭ ‬بالبحر‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التهيئة‭ ‬العمرانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُراع‭ ‬فيها‭ ‬أبسط‭ ‬قواعد‭ ‬التهيئة‭ ‬ووجود‭ ‬معالم‭ ‬تاريخيّة‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬مبان‭ ‬متداعية‭ ‬للسقوط‭. ‬ودعا‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بحملة‭ ‬تنظيف‭ ‬عاجلة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬حلول‭ ‬جذرية‭ ‬لتدارك‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭  ‬الأوضاع‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬حمام‭ ‬الأنف‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني،‭ ‬مع‭ ‬تحميل‭ ‬المسؤولية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬الجريمة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بات يعصف بثوابت القيم والأخلاق : أيّ حدود.. وأيّ حلول.. لظاهرة التنمّر؟

كغيره من الظواهر الهدامة التي باتت تنخر المجتمع أصبح التنمر يتفاقم بشكل ملفت للنظر وينتشر …