2024-08-03

التكوين المهني في تونس : ضرورة الاستثمار في الكفاءات من مختلف الاختصاصات…

يُعتبر التكوين المهني ركيزة أساسية في أي نظام تعليمي واقتصادي، حيث يسهم بشكل كبير في تأهيل الكوادر البشرية وتلبية احتياجات السوق .وفي تونس، يمكن القول أن واقع التكوين المهني يعكس توازنًا بين الإنجازات والتحديات، الأمر الذي جعل السلطات الساهرة على هذا القطاع تواكب المتطلبات من حيث المراجعة والتقييم والتطوير المستمر .

تقوم تونس بتوفير نظام للتكوين المهني يتضمن برامج تدريبية في مجموعة متنوعة من الحرف والمهن ، بدءاً من الميكانيك والكهرباء إلى فنون الطهي والبرمجة ومتطلبات البناء واللوجستيك وغيرها من النجارة والحرف التقليدية والسياحية. حيث تدير هذا القطاع عدة مؤسسات مثل معاهد التكوين المهني ومراكز التدريب، ويهدف إلى تجهيز الشباب بالمهارات اللازمة لدخول سوق العمل .

وهناك تنوع تشمله برامج التكوين المهني الأساسي، والتكوين المستمر، والتدريب لتشمل هذه البرامج تدريباً نظرياً وعملياً لتأهيل المتدربين في مجالات متنوعة مثل البناء، التكنولوجيا، والخدمات . ومن حيث الإطار التنظيمي ، يتم إدارة التكوين المهني في تونس من خلال الوكالة التونسية للتكوين المهني ومجموعة من الهياكل التعليمية والتدريبية الأخرى التي تسعى إلى تحسين جودة التعليم المهني وتعزيز التعاون مع الشركات الخاصة لضمان توافق البرامج مع احتياجات سوق الشغل .

التحديات الرئيسية

ثمّة تفاوت بين العرض والطلب لا يمكن إنكاره إذ يعاني سوق التكوين المهني من عدم توافق بين المهارات المكتسبة واحتياجات سوق العمل وكثيراً ما يُلاحظ وجود تخصصات لا تتماشى مع متطلبات الشركات، مما يتسبب في نقص في التوظيف وارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب بالرغم من المراجعات والنظر في صيغ التعديل التكويني الذي من شأنه أن يعمل على تجاوز الصعوبات التي تعترض هذا القطاع الحيوي في كل اقتصاد . إذ أن هناك نقصا في الموارد المالية والبشرية المؤهلة وكذلك هناك نقص في التمويل كما تفتقر بعض المراكز إلى التجهيزات الحديثة والكوادر المتخصصة ، مما يؤثر سلباً على جودة التكوين المهني في بعض المؤسسات.

الوعي والقبول الاجتماعي

ما يزال هناك نقص في الوعي حول أهمية التكوين المهني مقارنة بالتعليم الأكاديمي التقليدي ، وهذه الظاهرة لا يمكن التغاضي عنها بالرغم من الجهود المبذولة من خلال برامج التوعية وحلقات النقاش بشأن مردودية هذا القطاع بخصوص توفير اليد العاملة المختصة ، إذ تفضل العديد من الأسر التوجه نحو التعليم العالي بدلاً من التكوين المهني، مما يؤدي إلى نقص في أعداد الملتحقين بالبرامج المهنية .

إذ يعتبر القبول الاجتماعي للتكوين المهني « أمرا مسكوتا عنه في بعض الأوساط الإجتماعية» وهو عنصر  حيويً  لنجاح البرامج التكوينية وتجذير فعالية سوق العمل  فالقبول الاجتماعي يزيد من فرصة التلاميذ الجدد في العثور على وظائف ملائمة لتكوينهم ومهاراتهم العلمية والتدريبية ، حيث يعتبر التكوين المهني خيارًا معترفًا به ومقبولًا من قبل المجتمع وصاحب المؤسسة في آن واحد وهو أحد الخيارات الناجعة التي ذهبت فيها عديد البلدان المتقدمة منذ سنوات ، إذ فعّلت البرامج التحسيسية بما يشجع المزيد من الأفراد على الالتحاق به ويعزز من تقديرهم لفرص التكوين وبالتالي المساهمة في توفير قوة عمل مدربة ومؤهلة ، مما يساعد في تحسين الإنتاجية والنمو الاقتصادي بشكل عام .

ويتطلب الأمر لمزيد إضفاء نجاعة في التوجيه ،تطوير الشراكات مع القطاع الخاص والاعلان عنها للمتكونين الجدد وتقديم وعود لهم بالتشغيل حين الانتهاء مباشرة من عملية التكوين ويمكن تعزيز التعاون بين مؤسسات التكوين المهني والشركات الخاصة لضمان تلبية البرامج التدريبية لاحتياجات السوق .

كما يتوجب التركيز على التدريب على المهارات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي ، البيانات الكبيرة ، والتكنولوجيا المتقدمة التي  يمكن أن تزيد من فرص العمل ويجعل التكوين المهني أكثر جاذبية للتلاميذ مع اضفاء رؤية جديدة لهذا القطاع تمكن من مزيد الاستقطاب والتوجيه صلب خياراته المتنوعة .

ولتحسين الصورة العامة للتكوين المهني يمكن العمل على تطوير القبول الاجتماعي للتكوين المهني من خلال حملات توعية تبرز قيمة التدريب المهني في تحقيق النجاح المهني والاقتصادي وتؤدي إلى إدراك الأسر والشباب لأهمية التكوين المهني .

ولتحديث المناهج وبرامج التدريب يجب مراجعة المناهج بانتظام لضمان توافقها مع التغيرات التكنولوجية ومتطلبات سوق العمل كإدخال تخصصات جديدة تتماشى مع الابتكارات الصناعية والتجارية والخدماتية بما من شأنه أن يزيد من جاذبية التكوين المهني ، مع زيادة الاستثمار في البنية التحتية وتخصيص موارد إضافية لتحديث المرافق والتجهيزات في مراكز التكوين المهني .

جدير بالذكر أن الوكالة التونسية للتكوين المهني الراجعة بالنظر لوزارة التشغيل والتكوين المهني تعتبر أهم متدخل عمومي في التكوين المهني بأكثر من 80 % من المنظومة الوطنية ، وتشرف حاليا على أكثر من  136 مركز تكوين مهني في أكثر من 300 اختصاص إلى جانب وكالة النهوض بمهن السياحة ، الراجعة بالنظر لوزارة السياحة والصناعات التقليدية وتشرف حاليا على مراكز تكوين مهني تؤمن التكوين في قطاع السياحة والفندقة ووكالة الإرشاد والتكوين الفلاحي، التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية التي تشرف على مراكز تكوين مهني وتؤمن التكوين في قطاع الفـلاحة والصيد البحـري ووزارة الدفاع الوطني التي تشرف حاليا على مراكز تكوين مهني تؤمن التكوين في عديد القطاعات  فيما يضم قطاع التكوين المهني الخاص أكثر من 1100 مؤسسة تنشط في التكوين الأساسي وتؤمّن التكوين في جميع القطاعات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

نقص طب الاختصاص في الجهات: عزوف يتواصل رغم الجهود من أجل توفير الحدّ الأدنى

يعد قطاع الصحة إحدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الدولة  لضمان رفاهية المواطنين ومع ذ…